والخلاصة ـ إن الشيطان لما وسوس لهما بقوله : ما نهاكما ربكما إلخ ولم يقبلا منه ما قال ـ لجأ إلى اليمين كما دل على ذلك قوله : وقاسمهما ، فلم يصدقاه أيضا ، فعدل بعد ذلك إلى الخداع كما أشار إلى ذلك بقوله : فدلاهما بغرور أي إنه شغلهما بتحصيل اللذات فجعلاها نصب أعينهما ونسيا النهى كما يدل على ذلك قوله : «فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً».
وقد عاتبه الله على تركه التحفظ والحيطة والتدبر فى عواقب الأمور فقال :
(وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ؟) أي وناداهما ربهما معاتبا لهما وموبّخا لهما وقال : ألم أنهكما عن أن تقربا هذه الشجرة وأقل لكما إن الشيطان ظاهر العداوة لكما ، فإن أطعتماه أخرجكما من الجنة حيث العيش الرغد إلى حيث الشقاء فى العيش والتعب والنصب فى الحياة.
ونحو الآية قوله فى سورة طه : «فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى».
(قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي قالا ربنا إننا ظلمنا أنفسنا بطاعتنا للشيطان ومعصيتنا لأمرك وقد أنذرتنا ، وإن لم تغفر لنا ما ظلمنا به أنفسنا وترحمنا بالرضا عنا وتوفيقنا إلى الهداية وترك الظلم ، وبقبول توبتنا إذا نحن أنبنا إليك ، وإعطائنا من فضلك فوق ما نستحق ـ لنكونن من الخاسرين لأنفسنا وللفوز والفلاح بتزكيتها.
والخلاصة ـ إن الظفر بالمقصود والفوز بالسعادة لا ينالهما بمغفرتك ورحمتك إلا من ينيب إليك ويتبع سبيلك ، ولا ينالهما من يصرّ على ذنبه ويحتج على ربه كما فعل الذي أبي واستكبر فكان من الخاسرين.
ونحو الآية قوله فى سورة البقرة : «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».