ومعنى كونه ـ من عند الله ـ أنه مما اقتضاه حكمه وعدله وسبق به تقديره ؛ فإن ما هو ثابت عند الله فى حكمه التكويني الذي دبر به نظام الخلق ، وحكمه الشرعي التكليفي الذي أقام به العدل والحق ـ يقال إنه من عند الله ، ويكون هذا جزاء لهم على استكبارهم عن الحق فى الدار الدنيا كما قال تعالى : «كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ».
وعذاب الأمم فى الدنيا بذنوبها مطرد وعذاب الأفراد لا يطرد وإن كانوا من المجرمين الماكرين. وقد عذب الله فى الدنيا أكابر مجرمى أهل مكة الذين تصدوا لإيذاء النبي صلّى الله عليه وسلم والكيد له كالخمسة المستهزئين الذين سبق الكلام فيهم فقتل منهم من قتل فى بدر ، ولحق الصغار والهوان بالباقين.
ثم قفى على ذلك بالموازنة بينهم وبين المستعدين للايمان فقال :
(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) أي فمن كان أهلا بإرادة الله وتقديره لقبول دعوة الإسلام الذي هو دين الفطرة ، والهادي إلى طريق الحق والرشاد وجد لذلك فى نفسه انشراحا واتساعا بما يشعر به قلبه من السرور فلا يجد مانعا من النظر الصحيح فيما ألقى إليه فيتأمله وتظهر له عجائبه وتتضح له دلالته ، فتتوجه إليه إرادته ويذعن له قلبه ، بما يرى من ساطع النور الذي يستضىء به لبّه ، وباهر البرهان الذي يتملك نفسه.
«وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن هذه الآية ، قالوا : كيف يشرح صدره يا رسول الله؟ قال : نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح ، قالوا : فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود. والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت».