والخلاصة ـ إن الدين أرشدنا أن نجرى على ما أودعته الفطرة فى النفوس من أن سعادة الناس وشقاءهم فى الدنيا بأعمالهم ، والعمل يؤثر فى النفس التأثير الذي يزكّيها إن كان صالحا ، أو التأثير الذي يدسّيها ويفسدها إن كان سيئا ، والجزاء مبنى على هذا التأثير ، فلا ينتفع أحد ولا يتضرر بعمل غيره.
ومن كان قدوة صالحة فى عمل أو معلما له فإنه ينتفع بعمل من أرشدهم بقوله أو فعله زيادة على انتفاعه بأصل ذلك القول أو الفعل ، ومن كان قدوة سيئة فى عمل أو دالّا عليه ومغريا به ، فإن عليه مثل إثم من فعله ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله : «من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شىء ، ومن سن فى الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شىء» رواه مسلم.
وهذه قاعدة من أصول كل دين بعث الله به رسله كما جاء فى سورة النجم : «أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ، أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى».
وهذه الوصية من أعظم دعائم الإصلاح فى المجتمع البشرى وهادمة لأسس الوثنية ، وهادية للناس جميعا إلى ما تتوقف عليه سعادتهم فى الدنيا والآخرة ، فإن العمل وحده هو وسيلة الفوز وطريق النجاة ، لا كما يزعم الوثنيون من طلب رفع الضر وجلب النفع بقوة من وراء الغيب ، وهى وساطة بعض المخلوقات الممتازة ببعض الخواص والمزايا بين الناس وربهم ، ليعطيهم ما يطلبون فى الدنيا بلا كسب ولا سعى من طريق الأسباب التي جرت بها سنته فى خلقه ، وليحملوا عنهم أوزارهم حتى لا يعاقبوا بها ، أو ليحملوا الخالق على رفعها عنهم وترك عقابهم عليها ، وعلى إعطائهم نعيم الآخرة وإنقاذهم من عذابها.
ومما ينتفع به المرء من عمل غيره ـ لأنه فى الحقيقة كأنه عمله إذ كان سببا فيه ـ دعاء أولاده ، وحجهم وتصدقهم عنه ، وقضاؤهم لصومه كما ورد فى الحديث : «إذا مات