المعنى الجملي
لما كانت هذه السورة أجمع السور لأصول الدين مع إقامة الحجج عليها ودفع الشبه عنها ، وإبطال عقائد أهل الشرك وخرافاتهم ـ جاءت هذه الخاتمة آمرة له صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم قولا جامعا لجملة ما فصّل فيها ـ وهو أن الدين القيم والصراط المستقيم هو ملة إبراهيم دون ما يدعيه المشركون وأهل الكتاب المحرّفون ، وأنه صلى الله عليه وسلم مستمسك به معتصم بحبله يدعو إليه قولا وعملا على أكمل الوجوه ، وهو أول المخلصين وأخشع الخاشعين ، وهو الذي أكمل هذا الدين بعد انحراف جميع الأمم عن صراطه.
ثم بين أن الجزاء عند الله على الأعمال ، وأن لا تزر وازرة وزر أخرى ، وأن المرجع إليه تعالى وحده ، وأن له سننا فى استخلاف الأمم واختبارها بالنعم والنقم ، وأن الله وحده ، هو الذي يتولى عقاب المسيئين ورحمة المحسنين ، فلا ينبغى الاتكال على الوسطاء ولا الشفعاء بين الله والناس فى غفران الذنوب وقضاء الحاجات كما هى عقيدة أهل الشرك أجمعين.
الإيضاح
(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي قل أيها الرسول لقومك ولسائر البشر : إن ربى أرشدنى بما أوحاه إلىّ بفضله ، إلى صراط مستقيم لا عوج فيه ولا اشتباه ، يهدى سالكه إلى سعادة الدنيا والآخرة ، وهو الذي يدعوكم إلى طلبه منه حين تناجونه فتقولون : «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ».
(دِيناً قِيَماً) أي إن هذا الصراط المستقيم هو الدين الذي به يقوم أمر الناس فى معاشهم ومعادهم ، وبه يصلحون.
(مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) أي الزموا ملة إبراهيم حال كونه حنيفا مائلا عن جميع ما سواه من الشرك والباطل.