(إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي إن ما توعدونه من جزاء الآخرة بعد البعث لآت لا مردّ له ، وما أنتم بمعجزين الله بهرب ولا منع مما يريد ، فهو القادر على إعادتكم كما قدر على بدء خلقكم ، وهذا دليل قد ذكره الله فى كتابه مرات كثيرة.
وقد أنار العلم فى هذا العصر أمر البعث وقرّبه إلى العقول ، فأثبت أن هلاك الأشياء وفناءها ما هو إلا تحلل موادها وتفرقها ، وأنه يمكن تركيب المواد المتفرقة وإرجاعها إلى تركيبها الأول فى غير الأحياء.
بل بلغ الأمر ببعض العلماء من الألمان أن حاولوا إيجاد البشر بطريقة صناعية علمية بتنمية البذرة التي يولد منها الإنسان إلى أن صارت علقة فمضغة ، وزعم أنه يمكن بوسائل أخرى تغذية المضغة فى حرارة كحرارة الرحم إلى أن تتولد فيها الأعضاء حتى تصير إنسانا تاما ، وقال إنه يمكن إيجاد معامل للتفريخ البشرى كمعامل تفريخ الدجاج ، ولكن الكثير من العلماء قالوا إن هذه نظريات لا يمكن إخراجها من حيز الإمكان إلى حيز الوجود بالفعل.
وإذا كان علماء المادة يحاولون الوصول إلى ذلك ولا يعدونه مستحيلا ، فهل يعجز عنه خالق البشر وخالق كل شىء : «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ».
ثم تمم الوعيد والتهديد بأمره لرسوله أن ينذرهم بقوله :
(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أي يا قوم اعملوا على مكانتكم وطريقتكم التي أنتم عليها ، إنى عامل على مكانتى وطريقتى التي ربانى ربى عليها وهدانى إليها وأقامنى عليها ، فسوف تعلمون بعد حين من تكون له العاقبة الحسنى فى هذه الدار بتأثير أعماله.
وفى الآية إيماء إلى أن أحوال الأمم مرتبة بحسب أعمالها ، وأن أعمالها منبعثة من عقائدها وصفاتها النفسية ، وأن عاقبة كل عمل نتيجة حتمية له ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.