ويرى بعض العلماء وجوب الزينة للعبادة عند كل مسجد بحسب عرف الناس فى تزينهم فى المجامع والمحافل ، ليكون المؤمن حين عبادة ربه مع عباده المؤمنين فى أجمل حال لا تقصير فيها ولا إسراف.
أخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه ، فإن الله عز وجل أحق من تزيّن له ، فإن لم يكن له ثوبان فليتّزر إذا صلى ، ولا يشتمل أحدكم فى صلاته اشتمال اليهود».
وأخرج الشافعي وأحمد والبخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا يصلين أحدكم فى الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شىء».
وعلى الجملة فالزينة تختلف باختلاف حال الإنسان فى السعة والضيق ، فمن عنده ثوب واحد يستر جميع بدنه فليستر به جميع بدنه وليصلّ به ، فإن لم يستر إلا العورة كلها أو الغليظة منها وهى السوءتان فليستر به ما يستره ، ومن وجد ثوبين أو أكثر فليصلّ بهما.
وهذا الأمر بالزينة عند كل مسجد أصل من الأصول الدينية والمدنية عند المسلمين وكان سببا فى تعليم القبائل المتوحشة القاطنة فى الكهوف والغابات أفرادا وجماعات لبس الثياب عند دخولها فى حظيرة الإسلام ، وكانوا قبل ذلك يعيشون عراة الأجسام رجالا ونساء حتى ذكر بعض المنصفين من الإفرنج أنّ لانتشار الإسلام فى إفريقية منّة على أوربا بنشرة للمدنية بين أهلها ، إذ ألزمهم ترك العرى وأوجب لبس الثياب فكان ذلك سببا فى رواج تجارة المنسوجات.
وبهذا نقل الإسلام أمما وشعوبا كثيرة من الوحشية إلى الحضارة الراقية.
(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) أي خذوا زينتكم عند المساجد وأداء العبادات ، وكلوا واشربوا من الطيبات ، ولا تسرفوا فيها ، بل عليكم بالاعتدال فى جميع ذلك ، لأن الله الخالق لهذه النعم لا يحب المسرفين فيها ، بل يعاقبهم على هذا الإسراف بمقدار ما ينشأ عنه من المضارّ والمفاسد ، لأنهم قد خالفوا سنن الفطرة وجنوا