(ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) أي ما كان شأنهم ، ولا مقتضى استعدادهم أن يؤمنوا ـ ذلك لأنهم لا ينظرون فى الآيات نظر هداية واعتبار ، وإنما ينظرون إليها نظر العدو إلى من يعاديه ، لا نظر الولي إلى من يعينه ويواليه ، فيخيّل إليهم الوهم أن ما جئتهم به لا يهديهم إلى سواء السبيل ، وإنما تسحر به عقولهم وتسلب به ألبابهم.
(إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي لكن إن شاء الله إيمان أحد منهم آمن ـ والمراد أنهم ما داموا على صفاتهم التي هم عليها من اقتراح الآيات فهم لا يؤمنون ـ لكن إن شاء الله أن يزيلها فعل.
والخلاصة : إن فقد هؤلاء للاستعداد للإيمان ، جار بحسب مشيئته تعالى ككل ما يجرى فى الوجود ، ولو شاء غير ذلك لكان ، ولكنه لا يشاء لأنه تغيير لسنته وتبديل لطباع الإنسان.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) أي ولكن أكثر المؤمنين يجهلون عدم إيمانهم عند مجىء الآيات ، لجهلهم سنة الله تعالى فى عباده وانطباقها على الأفراد والجماعات ، لذلك يتمنى بعض المؤمنين لو يؤتى مقترحو الآيات ما اقترحوا ، ظنّا منهم أن ذلك يكون سبب إيمانهم ، مع أن الآيات لا تلزمهم الإيمان ولا تغيّر طباع البشر فى اختيار ما يترجّح لدى كل منهم بحسب ما يؤدّيه إليه فكره وعقله : ولو شاء الله لخلق الإيمان فى قلوبهم خلقا بحيث لا يكون لهم فيه عمل ولا اختيار ـ وحينئذ لا يكونون محتاجين إلى الرسل كما أنه لو شاء ـ جعل الآيات مغيّرة لطبائع البشر وملزمة لهم أن يؤمنوا فيكون الإيمان إلجاء وقسرا ، لا اختيارا وكسبا ، ولكنه لم يشأ ذلك بدليل قوله تعالى : «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ».
قال ابن عباس كان المستهزءون بالقرآن خمسة : الوليد بن المغيرة المخزومي ، والعاصي ابن وائل السهمي ، والأسود بن يغوث الزهري ، والأسود بن المطلب ، والحرث بن حنظلة. أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى رهط من أهل مكة وقالوا أرنا الملائكة