أنا منهم برىء وهم منى برءاء» وليس المراد بنفي التوبة عنهم أنهم لا تقبل لهم توبة إذا ظهر لهم خطؤهم وعرفوا بدعتهم فرجعوا وتابوا إلى ربهم ، بل المراد أنهم لا يتوبون لزعمهم أنهم على الصواب ، وسواهم على الباطل.
والخلاصة ـ إن المراد بالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا هم أهل الكتاب ، والمقصود من براءة الرسول منهم تحذير أمته من مثل فعلهم ، ليعلم أن من فعل فعلهم وحذا حذوهم من هذه الأمة فالرسول منه برىء ، إذ ما ورد فى الكتاب والسنة من صفات الكفار وأفعالهم ليس خاصا بهم ، بل إذا اتصف المسلمون بمثل ما اتصفوا به كان حكمهم كحكمهم ، لأن الله لا يبيح للمسلمين البدع والضلالات والتفرق فى الدين لأنهم مسلمون ، فإن ذلك يكون هدما لأسس الدين ، وخروجا من سنن المهتدين.
ولدى التحقيق والبحث نجد أن أسباب التفرق فى هذه الأمة فى دينها وتبعه ضعفها فى دنياها ترجع إلى أمور :
(١) التنازع على الملك ، وقد حدث هذا من بدء الإسلام واستمر حتى وقتنا هذا.
(٢) العصبية الجنسية والنّعرة القومية فى كل شعب وقبيل ، إذ شمخ كل شعب بأنفه وأبي أن يخضع لغيره اعتقادا منه أنه أرقى الشعوب أرومة ، وأرفعها محتدا ، فأنى له أن ينقاد لسواه؟
(٣) عصبية المذاهب والآراء فى أصول الدين وفروعه ، فأرباب المذاهب من الشيعة ذمّوا بقية المذاهب الأخرى كالحنفية والشافعية ، ورجال الحديث تكلموا فى أهل القياس.
(٤) القول فى الدين بالرأى ، فإن كثيرا ممن يركن إليهم فى الفتيا واستنباط الأحكام الدينية ضعيف عن حمل السنة والتفقه فى فهم الكتاب ، فإذا عرضت له حادثه ولم يفطن إلى مأخذها من الكتاب أو السنة أفتى فيها بالرأى ، وقد يكون