والخلاصة ـ إنه نهاهم عن أشياء ثلاثة :
(١) قعودهم على الطرقات التي توصل إليه مخوّفين من يجيئه ليرجع عنه قبل أن يراه ويسمع دعوته.
(٢) صدهم من وصل إليه وآمن به بصرفه عن الثبات على الإيمان والاستقامة على الطريق الموصلة إلى سعادة الدارين.
(٣) ابتغاؤهم جعل سبيل الله المستقيمة معوجّة بالطعن وإلقاء الشبهات المشككة فيها أو المشوهة لها ، وهم بعلمهم هذا ارتكبوا ضلالتين : التقليد والعصبية للآباء والأجداد ، وضلالة الغلو فى الحرية الشخصية التي أباحت لهم الطعن فى الأديان حتى بلغوا فى ذلك حد الطغيان.
(وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) أي وتذكروا الزمن الذي كنتم فيه قليلى العدد فكثركم الله بما بارك فى نسلكم ، واشكروا له ذلك بعبادته وحده ، واتباع وصاياه فى الحق ، والإعراض عن الفساد فى الأرض. وقد روى أن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت فرمى الله فى نسلها البركة والنماء فكثروا.
وقد يكون المعنى ـ إذ كنتم مقلين فقراء فجعلكم مكثرين موسرين ـ أو المراد : إذ كنتم أذلة قليلى العدد فأعزكم بكثرة العدد والعدد.
(وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) من الأمم والشعوب المجاورة لكم كقوم نوح وعاد وثمود ، وكيف أهلكهم الله بفسادهم وبغيهم فى الأرض ، فاعتبروا بما حل بهم ، واحذروا أن يصيبكم مثل ما أصابهم.
(وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) ، حكم الله بين عباده ضربان :
(١) حكم شرعى يوحيه إلى رسله ، وعليه جاء قوله فى سورة المائدة بعد الأمر بالوفاء بالعقود وإحلال بهيمة الأنعام : «إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ».