والمؤمن الموحّد لا يخضع إلا لربه ، وإنما يطيع رسوله لأنه مبلّغ عنه كما قال : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ» وفى حديث أحمد بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إنما أنا بشر مثلكم ، إذا أمرتكم بشىء من دينكم فخذوا به ، وإذا أمرتكم بشىء من رأيى فإنما أنا بشر».
هذا ، والبشر لم يصلوا فى عصر من العصور إلى عشر ما وصلوا إليه فى هذا العصر من العلم بالمنافع والمضار ومعرفة المصالح والمفاسد فى المعاملات والآداب ، ومع هذا فإن العلم وحده لم يغنهم شيئا ، فكثرت فى البلاد الجرائم من قتل وسلب وإفساد زرع وفسق وفجور ونحو ذلك مما كان سببا فى تدهور نظم المجتمعات.
فخير وسيلة لإصلاح الأمم تربية. الأحداث والنابتة تربية دينية بإقناعهم بمنافع الفضائل كالصدق والأمانة والعدل ، وإقناعهم بمضار الرذائل ، لأن الوازع النفسي أقوى من الوازع الخارجي.
(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً) أي ولا تقعدوا بكل طريق تخوّفون من آمن بالقتل ، وقد روى عن ابن عباس أن بلادهم كانت خصبة وكان الناس يمتارون منهم ، فكانوا يقعدون على الطريق ويخوفون الناس أن يأتوا شعيبا ويقولون لهم إنه كذاب فلا يفتننكم عن دينكم.
وقد رتب سبحانه هذه الأوامر والنواهي بحسب الترتيب الزمنى ، فوجهت الدعوة أولا إلى أقرب الناس فى بلده ، ثم إلى الأقرب فالأقرب من الذين يزورون أرضهم ، وقد كان الأقربون دارا هم الأبعدين استجابة له ، وحين رأوا غيرهم يقبل دعوته ويهتدى بها شرعوا يصدون الناس عنه فلا يدعون طريقا توصل إليه إلا قعد بها من يتوعد سالكيها إليه ، ويصدونهم عن سبيل الله التي يدعوهم إليها ، ويطلبون بالتمويه والتضليل أن يجعلوا استقامتها عوجا ، وهداها ضلالا.