(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) من سنن العربية تكرار النداء فى مقام التذكير والوعظ : أي لا تغفلوا يا بنى آدم عن أنفسكم فتمكنوا الشيطان من وسوسته لكم والتحيل فى خداعكم وإيقاعكم فى المعاصي ، كما وسوس لأبويكم آدم وحواء فزّين لهما معصية ربهما فأكلا من الشجرة التي نهاهما عنها ، وكان ذلك سببا فى خروجهما من الجنة التي كانا يتمتعان بنعيمها ، ودخولهما فى طور آخر يكابدان فيه شقاء المعيشة وهمومها.
(يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) أي إنه أخرجهما من الجنة وكان سببا فى نزع ما اتخذاه لباسا لهما من ورق الجنة لأجل أن يريهما سوءاتهما.
وفى ذلك إيماء إلى أنهما كانا يعيشان عريانين ، لأنه ليس فى الأرض ثياب تصنع ، وليس هناك إلا أوراق الأشجار ، وعلماء الماديّات والآثار يحكمون حكما جازما بأن البشر قبل اهتدائهم إلى الصناعات كانوا يعيشون عراة ، ثم اكتسوا بورق الشجر وجلود الحيوان التي يصطادونها ، ولا يزال المتوحشون منهم إلى الآن يعيشون كذلك.
(إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) أي إن إبليس وجنوده من شياطين الجن يرونكم ولا ترونهم ، والضرر إذا جاء من حيث لا يرى كان خطره أشد ، ووجوب العناية باتقائه أعظم ، كما يرى ذلك فى بعض الأوبئة التي ثبت وجودها فى هذا العصر بالمجهر (التليسكوب) فإنها تنفذ إلى الأجسام بنقل الذباب أو البعوض أو مع الطعام أو الشراب أو الهواء ، فتتوالد وتنمو بسرعة ، وقد تسبّب للإنسان أمراضا مستعصية العلاج كالحمى الصفراء (الملاريا) والتيفود والتيفوس والسل والسرطان إلى نحو أولئك.
وفعل جنة الشياطين فى أرواح البشر كفعل هذه الجنة التي يسميها الأطباء (الميكروبات) فى الأجسام ، فكلاهما يؤثر من حيث لا يرى فيتقّى ، والثانية تتقى بالأخذ بنصائح الأطباء واستعمال الوسائل العلاجية الواقية.