(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) أي يلقى بعضهم إلى بعض القول الموّه الذي به يظنون أنهم يسترون قبيح باطلهم ، ويؤدونه بطرق خفية لا يفطن إلى باطلها كل أحد حتى يغرّوا غيرهم ويخدعوه ويميلوه إلى ما يريدون.
وأول مثل لهذا الغرور ما وسوس به الشيطان للانسان الأول وزوجه الكريم (آدم وحواء) فزين لهما الأكل من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها كما قال : «وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ».
وهكذا يوسوس شياطين الإنس والجن لمن يجترحون السيئات ويرتكبون المعاصي فيزينون لهم ما فيها من عظيم اللذة والتمتع بالحرية ، ويمنّونهم بعفو الله ورحمته ، وشفاعة أنبيائه وأوليائه حتى ليترنم أحدهم بقوله :
تكثّر ما استطعت من الخطايا |
|
فإنك واجد ربّا غفورا |
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) أي ولو شاء ربك ألا يفعلوا هذا الغرور ما فعلوا ، ولكنه لم يشأ أن يغيّر خلقهم أو يجبرهم على خلاف ما تزينه لهم أهواؤهم ، بل شاء أن يكون الإنس والجن على استعداد لقبول الحق والباطل والخير والشر ، وأن يكونوا مختارين سلوك أي الطريقين كما قال «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ».
(فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) من الكذب ويخترعون من الإفك ، صرفا للناس عن سبيل الحق ، وسعيا فى إضلالهم وصدهم عن طريق الرشاد ، وامض لشأنك كما أمرت فعليك البلاغ ، وعلينا الحساب والجزاء ، وسترى سنتنا فيهم وفى أمثالهم ، وقد أراه عاقبة أمرهم فأهلك المستهزئين بالقرآن ونصره على أعدائه المشركين «وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ».
(وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي يوحى بعض هؤلاء الشياطين إلى بعض المموّه من القول به ليغروا المؤمنين من أتباع الأنبياء فيفتنوهم عن دينهم ، ولتميل إليه قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ، لأنه الموافق لأهوائهم ؛ إذ هم يميلون إلى حب الشهوات التي من جملتها مزخرفات الأقاويل ، ومموّهات الأباطيل.