إذا عاهدتم ، لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهده وبيعة رسوله ، أم تغترون بكثرة قريش وشوكتهم ، وقلة المؤمنين وضعفهم بحسب ظاهر الحال؟
ثم أنذر وحذر من خالف الحق وركن إلى الباطل فقال :
(وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أي وليبيننّ لكم ربكم يوم القيامة إذا وردتم عليه ، لمجازاة كل فريق منكم على عمله فى الدنيا ، المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته ـ ما كنتم تختلفون فيه من إقرار المؤمن بوحدانية ربه ، ونبوة نبيه ، والوحى إلى أنبيائه ، والكافر بكذبه بذلك كله.
وبعد أن أبان أنه كلفهم الوفاء بالعهد ، وتحريم نقضه أتبعه ببيان أنه قادر على جمعهم على هذا الوفاء وعلى سائر أبواب الإيمان فقال :
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي ولو شاء الله لجعل الناس على دين واحد بمقتضى الغريزة والفطرة ولم يجعل لهم اختيارا فيما يفعلون ، فكانوا فى حياتهم الاجتماعية أشبه بالنمل والنحل ، وفى حياتهم الروحية أشبه بالملائكة ، مفطورين على طاعة الله واعتقاد الحق ، وعدم الميل إلى الزّيغ والجور ، لكنه تعالى خلقهم كاسبين لا ملهمين ، وعاملين بالاختيار لا مفطورين ، وجعلهم متفاوتين فى الاستعداد وكسب العلم ، فللإنسان اختيار أوتيه بحسب استعداده الأزلى وهو مجبور فيه ، والثواب والعقاب يترتبان على هذا الاختيار الذي يشاهد ، وتكون عاقبته الجنة أو النار.
(وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي ولتسألن يوم القيامة جميعا سؤال محاسبة ومجازاة ، لا سؤال استفهام واستفسار ، وقد تكرر ذكر هذا المعنى فى سور كثيرة.
(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤)