الدار للمتقين جنات إقامة تجرى من بين قصورها وأشجارها الأنهار ، حسنت مستقرا ومقاما.
ثم بين أن نعمها غير ممنوعة ولا مقطوعة فقال :
(لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) أي للذين أحسنوا فى هذه الدنيا فى جنات عدن ما يشاءون مما تشتهى أنفسهم وتقرّ به أعينهم كما قال : «وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ».
ثم ذكر أن هذا جزاء لهم على أعمال البر والتقوى فقال :
(كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) أي مثل ذلك الجزاء الأوفى يجزى الله الذين اتقوا الشرك والمعاصي.
وفى هذا حث للمؤمنين على الاستمرار على التقوى ، وحث لغيرهم على تحصيلها.
ثم وصف الله المتقين بقوله :
(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) قال الراغب : الطيب من الناس من تعرّى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الخصال ، وتحلّى بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال ، وهذا إيضاح لقول مجاهد : الطيب من تزكو أقواله وأفعاله.
وقوله (طَيِّبِينَ) كلمة مختصرة جامعة لكثير من المعاني ، يدخل فيها إتيانهم بكل ما أمروا به ، واجتنابهم كل ما نهوا عنه ، واتصافهم بفضائل الأخلاق وجميل السجايا ، وبراءتهم من ذميم الرذائل ، وتوجههم إلى حضرة القدس ، وعدم اشتغالهم بعالم الشهوات واللذات الجسمانية ، ويتبع ذلك أنه يطيب لهم قبض أرواحهم ، لأنها لم تقبض إلا مع البشارة بالجنة حتى كأنهم مشاهدوها ، ومن هذه حاله لا يألم بالموت كما قال : «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا ، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ. نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ».