العودة إلى حياة أخرى غير ممكنة ولا معقولة ـ ذاك أن الجسم إذا تفرق وذهبت أجزاؤه كل مذهب امتنع أن يعود بعينه ليحاسب ويعاقب ، فرد الله عليهم ما قالوا بأن هذا ممكن ، وقد وعد عليه وعدا حقا ، وأنه فعل ذلك ليميز الخبيث من الطيب والعاصي من المطيع ، وأيضا فإيجاده تعالى للأشياء لا يتوقف على سبق مادة ولا آلة ، بل يقع ذلك بمحض قدرته ومشيئته ، وليس لقدرته دافع ولا مانع.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن أبى العالية قال : كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به ، والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا وكذا ، فقال له المشرك : إنك لتزعم أنك تبعث من بعد الموت ، وأقسم جهد يمينه لا يبعث الله من يموت ، فأنزل الله (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) الآية.
وأخرج هؤلاء عن أبى هريرة قال : «قال الله : سبّنى ابن آدم ولم يكن ينبغى له أن يسبنى ، وكذّبنى ولم يكن ينبغى له أن يكذبنى ، فأما تكذيبه إياى فقال (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) وقلت : (بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) وأما سبه إياى فقال : (إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) وقلت : (هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)».
الإيضاح
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) أي إنهم اجتهدوا فى الحلف ، وأغلظوا فى الأيمان ، أنه لا يقع بعث بعد الموت ، وهذا استبعاد منهم لحصوله ، من جراء أن الميت يفنى ويعدم ، والبعث إعادة له ، وإعادة المعدوم مستحيلة.
وقد رد الله عليهم وكذبهم بقوله :
(بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي بلى سيبعثه الله بعد مماته ، وقد وعد بذلك وعدا حقا لا بد منه ، ولكن أكثر الناس لجهلهم بشئون الله وصفات كماله من علم وقدرة وحكمة ونحوها ، لا يعلمون أن وعد الله لا بد من نفاذه