وفائدة ذكر قوله : (عَلى أَنْفُسِكُمْ) الإشارة إلى أن الأكل المذكور مع أنه لا حرج فيه لا يخل بقدر من له شأن ، فقد كثر إقحام (النفس) فى ذوى القدر كقوله : «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ» ولم يقل : كتب ربكم عليه الرحمة ، وقوله فى الحديث القدسي «يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى» ولم يقل : حرمت الظلم علىّ وذكر هذا الحكم وهو معلوم ، ليعطف عليه غيره فى اللفظ ، وليساويه ما بعده فى الحكم.
(أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ) لما علم بالعادة أن هؤلاء تطيب نفوسهم بأكل من يدخل عليهم من الأقارب.
(أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) عنى بذلك وكيل الرجل وقيّمه فى ضيعته وماشيته ، فلا حرج عليه أن يأكل من ثمر الضيعة ويشرب من لبن الماشية ، ولكن لا يحمل ولا يدّخر ، وهذا إذا لم يجعل له أجرا على ذلك ، فإن جعل له أجرا فلا يحل له أكل شىء منها.
(أَوْ صَدِيقِكُمْ) أي أو بيوت أصدقائكم الذين يصدقونكم المودة وتصدقونهم ، هذا إذا علم رضاهم بذلك بالإذن أو بشاهد الحال ، ولا فرق بينهم وبين غيرهم إذا وجد الإذن.
قال ابن زيد : هذا شىء قد انقطع ، إنما كان فى أوّله ولم يكن لهم ستور أبواب ، أو كانت الستور مرخاة ؛ فربما دخل الرجل البيت وليس فيه أحد ، وربما وجد الطعام وهو جائع ، فسوّغ له أن يأكل منه ، ثم قال ذهب ذلك اليوم ، البيوت فيها أهلها ، فإذا خرجوا أغلقوا اه.
وعلى هذا ، فالمعنى يجوز الأكل من بيوت هؤلاء وإن لم يحضروا إذا علم رضاهم به بصريح اللفظ أو بالقرينة وإن كانت ضعيفة.
وإنما خص هؤلاء بالذكر ، لأنهم اعتادوا التبسط بينهم ، والرضا فيهم محقق غالبا