وعن جعفر الصادق رضى الله عنه. من عظم حرمة الصديق أن جعله الله تعالى من الأنس والثقة والانبساط ورفع الحشمة بمنزلة النفس والأب والأخ.
وقيل لأفلاطون : من أحب إليك : أخوك أم صديقك؟ فقال لا أحب أخى إلا إذا كان صديقى ، ولكن أنّى هو؟ فقد أثر عن هشام بن عبد الملك أنه قال : نلت مانلت حتى الخلافة ، وأعوزنى صديق لا أحتشم منه.
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) أي لا حرج عليكم أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين ، روى عن ابن عباس والضحاك وقتادة أنها نزلت فى بنى ليث ابن عمرو بن كنانة تحرّجوا أن يأكلوا طعامهم متفرقين ، وكان الرجل منهم يمكث طوال يومه لا يأكل حتى يجد ضيفا يأكل معه ، فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئا ، وربما قعد الرجل منهم والطعام بين يديه لا يتناوله إلى الرواح ، وقد تكون معه الإبل الحفّل فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه ، فإذا أمسى ولم يجد أحدا أكل ، وفى مثل هذا يقول حاتم :
إذا ما صنعت الزاد فالتمسى له |
|
أكيلا فإنى لست آكله وحدي |
وفى الحديث : «شر الناس من أكل وحده ، وضرب عبده ، ومنع رفده» وإنما ذمّ هذا لأنه بخل بالقرى.
ثم شرع سبحانه يبين ما ينبغى رعايته حين دخول البيوت بعد أن ذكر الرخصة.
فيه فقال :
(فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي فإذا دخلتم بيتا من هذه البيوت فليسلم بعضكم على بعض.
وفى التعبير عن أهل تلك البيوتات (بأنفسكم) إيماء إلى السبب الذي اقتضى إباحة الأكل من تلك البيوت ، وأنه إنما كان ؛ لأن الداخل فيها كأنه داخل فى بيته ، لما بينهما من قرابة أو نحوها.