وإذا كانوا مع رسوله على أمر يجمع جميعهم من حرب حضرت ، أو صلاة اجتمع لها ، أو تشاور فى أمر قد نزل ، لم ينصرفوا عما اجتمعوا له حتى يستأذنوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهذا أدب على نهج سابقه ، فكما أرشدهم من قبل إلى الاستئذان حين الدخول ، أمرهم بالاستئذان حين الانصراف ، ولا سيما إذا كانوا فى أمر جامع ، روى الترمذي والنسائي عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : «إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، فإذا أراد أن يقوم فليسلم ، فليست الأولى بأحق من الآخرة».
ولما كان الإذن كالدليل على كمال الإيمان والمميّز للمخلص من غيره أعاده مؤكدا بأسلوب أبلغ فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) أي إن الذين لا ينصرفون إذا كانوا معك أيها الرسول في أمر جامع إلا بإذنك لهم ، طاعة منهم لله ولك ، وتصديقا بما أتيتهم به من عنده ـ أولئك هم المؤمنون حقا.
ولما ذكر ما يلزم المؤمن من الاستئذان أعقبه بما يفعله الرسول حينئذ فقال :
(فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) أي فإذا استأذنوك لبعض ما يعرض لهم من مهامّ أمورهم فأذن لمن شئت منهم أن ينصرف لقضاء ما عرض له ، بحسب ما تقتضيه المصلحة التي تراها ، كما وقع لعمر رضى الله عنه حين خرج مع النبي صلى الله عليه وسلّم فى غزوة تبوك ، حيث استأذن فى الرجوع إلى أهله فأذن له صلّى الله عليه وسلّم وقال له : ارجع فلست بمنافق.
(وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي وادع الله أن يتفضل عليهم بالعفو عن تبعات ما بينه وبينهم ، إنه غفور لذنوب عباده التائبين ، رحيم بهم أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها.