أهلا للنبوة وتلقى الوحى من ربه وما هو إلا رجل يريد أن يسودكم ويكون له الصّولة والسلطان عليكم ، وقد ادعى الرسالة ليصل إلى ما تصبو إليه نفسه وليس له من حقيقتها شىء.
وبعد أن بينوا أن لا مقتضى لاختصاصه بالنبوة ذكروا الموانع التي تحول بينه وبينهما فذكروا أمورا ثلاثة :
(١) (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) أي ولو شاء الله ألا نعبد سواه لأرسل بالدعاء إلى ما يدعوكم إليه نوح ملائكة تؤدى إليكم رسالته.
(٢) (ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أي ما سمعنا فى القرون الغابرة عهود الآباء والأجداد بمثل هذا الذي يدعو إليه نوح من أنه لا إله إلا إله واحد لا ربّ غيره ولا معبود سواه.
وفى هذا إيماء إلى أنهم قوم لا رأى لهم ، وإنما يعولون على التقليد وقول الآباء والأجداد ، فلما لم يجدوا عن آبائهم شيئا مثل هذا أنكروا نبوّته ، وفيه إشارة أيضا إلى أنهم قد بلغوا الغاية فى العناد والتكذيب والانهماك فى الغى والضلال.
(٣) (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) أي وما نوح إلا رجل به خبل فى عقله ، فمزاعمه لا تصدر إلا من رجل لا يزن قوله ، ولا يدعم رأيه بحجة ناصعة ، فلا يلتفت إذا إلى ما يدّعى ، ولا ينبغى أن نضيع الوقت فى محاجّته ، ودحض مزاعمه فى صدق دعوته.
وبعد أن ذكروا موانع نبوّته ذكروا الطريقة المثلى فى إبطال دعوته فقالوا :
(فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) أي فتلبثوا وانتظروا ، لعله يضيق مما هو فيه فيعود سيرته الأولى ، ويرجع من تلقاء نفسه إلى دينكم ودين آبائكم وأجدادكم.
وهذا من مكابراتهم لفرط عنادهم ، إذ هم يعلمون أنه أرجح الناس عقلا ، وأرزنهم قولا.
ولم يردّ سبحانه على هذه الشبه لسخافتها ووضوح فسادها ، إذ كل عاقل يعلم أن الرسول يتميز من غيره بالمعجزات التي تأتى على يديه سواء أكان ملكا أم بشرا