وإرادته التفضل عليهم إن كانت لأجل أن يستبين فضله حتى ينقادوا له فلا ضير فى ذلك بل هو واجب ، وإن أرادوا أنه يبغى التجبر عليهم فالأنبياء منزهون عن ذلك ، وقولهم : ما سمعنا بهذا فى آبائنا الأولين ، اعتناق للتقليد وهو لا يصلح حجة تدفع بها حجج المعارضين الواضحة وضوح الشمس فى رائعة النهار ، وقولهم : به جنة كذب صراح.
لأنهم يعلمون ذكنه ، وعظيم فطنته ، وما أوتيه من أصالة الرأى ، وثاقب الفكر.
ولما استبان لنوح إصرارهم على ضلالهم وتماديهم فى غيّهم ويأسه من إيمانهم وأوحى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ـ طلب إلى ربه أن ينصره عليهم :
(قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) أي قال رب انصرني بإنجاز ما أوعدتهم به من العذاب بقولي «إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ».
ونحو الآية قوله : «فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» وقوله : «رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً».
وقد أجاب الله دعاءه فقال :
(فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) أي فقلنا حين استنصرنا على كفرة قومه : اصنع السفينة بحفظنا ورعايتنا لك ، من التعدي عليك ، وتعليمنا إياك كيفية صنعها.
(فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ) أي فإذا جاء قضاؤنا من قومك بعذابهم وهلاكهم ، ونبع الماء من وجه الأرض ـ فأدخل فيها من كل طائفة من الحيوان فردين مزدوجين كناقة وجمل ، وحصان ورمكة ، وأدخل ولدك ونساءهم إلا من سبق عليه القول منا بأنه هالك فيمن يهلك ، فلا تحمله معك وهو كنعان وأمه.
(وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) أي ولا تسألنى أن أنجّى الذين كفروا بالله من الغرق. فإن كلمتى قد حقت عليهم أجمعين.