وهذا أسلوب من الكلام المنصف تستعمله العرب في محاورتها لإرخاء العنان للمخاطب حتى إذا سمعه الموافق أو المخالف قال لمن خوطب به لقد أنصفك صاحبك.
ألا ترى الرجل يقول لصاحبه : قد علم الله الصادق منى ومنك ، وإن أحدنا لكاذب ، وعليه قول حسان يخاطب أبا سفيان بن حرب وكان قد هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلّم :
أتهجوه ولست له بكفء |
|
فشركما لخيركما الفداء |
وفي ذكر هذا بعد ما تقدمه من الحجج الظاهرة على التوحيد ، دلاله واضحة على تمييز المهتدى من الضالّ ، والإيماء أبلغ من التصريح وأوصل بالمجادل إلى الغرض مع قلة شغب الخصم وفلّ شوكته بالهوينى.
ثم زاد في إنصافهم في المخاصمة ، فأسند الإجرام إلى أنفسهم والعمل للمخاطبين فقال :
(قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أي قل لهؤلاء المشركين : أنتم لا تسألون عما اكتسبنا من الآثام وارتكبنا من الذنوب ، ونحن لا نسأل عما تعملون من عمل ـ خيرا كان أو شرا.
ونحو الآية قوله : «وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ».
ثم حذرهم وأنذرهم عاقبة أمرهم إذ أمر رسوله أن يقول لهم :
(قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) أي قل لهم : إن ربنا يوم القيامة يجمع بيننا حين الحشر والحساب ثم يقضى بيننا بالعدل بعد ظهور حال كل منا ومنكم ، وهو الحاكم العادل العالم بحقائق الأمور ، وهنالك يجزى كل عامل بما عمل ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وستعلمون يومئذ لمن العزة والنصرة والسعادة الأبدية كما قال : «ويوم تقوم السّاعة يومئذ يتفرّقون.