أيها بني قَيْلَة ! (١) أاُهضم تُراثَ أبِيَهْ (٢) وأنتم بمرأى منّي ومسمع (٣) ، ومبتدأ
__________________
النواهي. ويكون الجواب ما يستفاد من حكاية قوله سبحانه ( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ) الآية لكن لا يكون حينئذ لحديث اعلان الله سبحانه واخباره ، بموت الرسول مدخل في الجواب إلاّ بتكلف. ويحتمل ان يكون شبهتهم عدم تجويزهم الموت على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كما افصح عنه عمر بن الخطاب ، وسيأتي في مطاعنه ، فبعد تحقق موته عرض لهم شك في الأيمان ، ووهن في الاعمال ، فلذلك خذلوها وقعدوا عن نصرتها ، وحينئذ مدخلية حديث الاعلان وما بعده في الجواب واضح. وعلى التقادير لا يكون قولها ـ صلوات الله عليها ـ « فخطب جليل » داخلا في الجواب ولا مقولا لقول المخاطبين على استفهام توبيخي ، بل هو كلا مستأنف لبث الحزن والشكوى ، بل يكون الجواب ما بعد قولها « فتلك والله النازلة الكبرى » ويحتمل ان يكون مقولا لقولهم ، فيكون حاصلا شبهتهم ان موته صلىاللهعليهوآله والذي هو اعظم الدواهي قد وقع ، فلا يبالي بما وقع بعده من لمحظورات ، فلذلك لم ينهضوا بنصرها ، والانتصاف ممن ظلمها. ولما تضمن ما زعموه كون مماته صلىاللهعليهوآله أعظم المصائب سلمت عليهاالسلام اولا في مقام تلك المقدمة لكونها محض الحق ثم نبهت على خطابهم في انها مستلزمة لقلة المبالاة بما وقع والقعود عن نصرة الحق وعدم اتباع اوامره صلىاللهعليهوآله بقولها اعلن بها كتاب الله إلى اخر الكلام ، فيكون حاصل الجواب : ان الله قد اعلمكم بها قبل الوقوع واخبركم بانها سنة ماضية في السلف من انبيائه وحذركم الانقلاب على اعقابكم كيلا تتركوا العمل بلوازم الإيمان بعد وقوعها ، ولا تهنوا عن نصرة الحق وقمع الباطل ، وفي تسليمها ما سلمته او لا دلالة على ان كونها اعظم المصائب مما يؤيد وجوب نصرتي ، فاني انا المصاب بها حقيقة وان شاركني فيها غيري ، فمن نزلت به تلك النازلة الكبرى فهو بالرعاية احق واحرى. ويحتمل ان يكون قولها عليهاالسلام « فخطب جليل » من اجزاء الجواب ، فتكون شبهتهم بعض الوجوه المذكورة او المركب من بعضها مع بعض ، وحاصل الجواب حينئذ انه اذا نزل بي مثل تلك النازلة وقد كان الله عز وجل اخبركم بها وامركم ان لا ترتدوا بعدها على اعقابكم ، فكان الواجب عليكم دفع الضيم عني والقيام بنصرتي. ولعل الانسب بهذا الوجه ما في رواية ابن ابي طاهر من قولها « وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله » بالواو دون الفاء.
ويحتمل ان لا تكون الشبهة العارضة للمخاطبين مقصورة على احد الوجوه المذكورة بل تكون الشبهة لبعضهم بعضا وللاخرى اخرى ، ويكون كل مقدمة من مقدمات الجواب اشارة إلى دفع واحدة منها.
أقول : ويحتمل ان لا تكون هناك شبهة حقيقية ، بل يكون الغرض انه ليس لهم في اتكاب تلك الامور الشنيعة حجة ومتمسك إلاّ ان يتمسك احد بامثال تلك الامور الباطلة الواهية التي لا يخفى على احد بطلانها. وهذا شايع في الاحتجاج.
(١) ايها ـ بفتح الهمزة والتنوين ـ بمعنى هيهات. وبنو قيلة : الاوس والخزرج قبيلتا الانصار. وقيلة بالفتح : اسم ام لهم قديمة وهي قيلة بنت كاهل.
(٢) الهضم : الكسر يقال : هضمت الشيء أي كسرته ، وهضمته : اذا ظلمه وكسر عليه حقه. والتراث ، واصل التاء فيه الواو.
(٣) أي بحيث اراكم واسمعكم ( اسمع ظ ) كلامكم. وفي رواية ابن ابي طاهر : « منه » أي من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.