ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض (١) ، وأبعدتم مَن هو أحقُّ بالبَسْطِ والقبض (٢) ، وخلوتم بالدعة (٣) ، ونجوتم من الضيق بالسَّعة ، فمجَجْتم ما وعيتم (٤) ، ودَسَعْتُمُ الذي تَسَوَّغتْم (٥) ، ( فإِن تَكْفُرُوا (٦) أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ
__________________
أو في يوم بدر ، او بنقض العهد ، والمراد بالقوم الذين نكثوا ايمانهم في كلامها ـ صلوات الله عليها ـ اما الذين نزلت فيهم الآية ، فالغرض بيان وجوب قتال الغاصبين للامامة ولحقها ، الناكثين لما عهد اليهم الرسول صلىاللهعليهوآله في وصيه عليهالسلام وذوي قرباه وفي أهل بيته كما وجب بأمره سبحانه قتال من نزلت الآية فيهم. او المراد بهم الغاصبون لحق أهل البيت عليهمالسلام ، فالمراد بنكثهم ايمانهم نقض ما عهدوا إلى الرسول حين بايعوه من الانقياد له في اوامره والانتهاء عند نواهيه وان لا يضمروا له العداوة ، فنقضوه وناقضوا ما امرهم به ، والمراد بقصدهم اخراج الرسول عزمهم على اخراج من كنفس الرسول وقائم مقامه بامر الله وامره عن مقام الخلافة ، وعلى ابطال اوامر ووصاياه في أهل بيته النازل اخراجه من مستقره وحينئذ يكون من قبيل الاقتباس ، وفي بعض الروايات : « لقوم نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدأوكم اول مرة اتخشونهم ». فقوله « لقوم » متعلق بقوله « تخشونهم ».
(١) الرؤية هنا بمعنى العلم أو بالنظر بالعين ، وأخلد إليه : ركن ومال. والخفض بالفتح : سعة العيش.
(٢) المراد بمن هو احق بالبسط والقبض امير المؤمنين صلوات الله عليه ، وصيغة التفضيل مثلها في قوله تعالى : ( قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخُلْدِ ).
(٣) خلوت الشيء : انفردت به واجتمعت معه في خلوة. والدعة : الراحة والسكون.
(٤) مج الشراب من فيه : رمى به. و « وعيتم » أي حفظتم.
(٥) الدسع ، كالمنع : الدفع والقيء واخراج البعير جرته إلى فيه. وساغ الشراب يسوغ سوغا : اذا سهل مدخله في الحلق ، وتسوغه : شربه بسهولة.
(٦) صيغة « تكفروا » في كلامها عليهاالسلام اما من الكفران وترك الشرك كما هو الظاهر من سياق الكلام المجيد حيث قال تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) وقال موسى: ( إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) أو من الكفر بالمعنى الاخص. والتغيير في المعنى لا ينافي الاقتباس ، مع ان في الآية ايضا يحتمل هذا المعنى. والمراد ان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا من الثقلين فلا يضر ذلك إلا انفسكم فانه سبحانه غني عن شكركم وطاعتكم ، مستحق للحمد في ذاته ، او محمود تحمده الملائكة بل جميع الموجودات بلسان الحال ، وضرر الكفران عائد اليكم حيث حرمتم من فضله تعالى ومزيد انعامه واكرامه. والحاصل انكم انما تركتم الإمام بالحق ، وخلعتم بيعته من رقابكم ، ورضيتم ببيعة ابي بكر لعلمكم بأن امير المؤمنين عليهالسلام لا يتهاون ولا يداهن في دين الله ولا تأخذه في الله لومة لائم ، ويأمركم بارتكاب الشدائد في الجهاد وغيره ، وترك ما تشتهون من زخارف الدنيا ، ويقسم الفيء بينكم بالسوية ، ولا يفضل الرؤساء والأمراء ، وان ابا بكر رجل سلس القياد ، مداهن في الدين لارضاء العباد ، فلذا رفضتم الإيمان ، وخرجتم عن طاعته سبحانه إلى طاعة الشيطان ، ولا يعود وباله إلاّ اليكم. وفي الكشف : « إلاّ وقد أرى ـ ان قد اخلدتم إلى الخفض وركنتم إلى الدعة فمججتم الذي أوعيتم ، ولفظتم الذي سوغتم » وفي رواية ابن ابي طاهر : « فعجتم عن الدين ». يقال : ركن إليه ـ