أستبد (١) بما كان الرأي فيه عندي ، وهذه حالي ، ومالي هي لك وبين يديكِ ، لا نزوي عنكِ (٢) ولا ندَّخر دونكِ. وأنت سيدة أمَّة أبيكِ ، والشجرة الطيبة لبنيكِ ، لا يُدفع ما لكِ من فضلكِ ، ولا يوضع من فرعِكِ وأصلكِ ؛ (٣) حكمك نافذٌ فيما ملكت يداي ، فهل ترين (٤) أن اُخالف في ذلك أباكِ صلىاللهعليهوآله ؟
فقالت عليهاالسلام : سُبحان الله ! ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن كتاب الله صادِفاً (٥) ، ولا لأحكامه مخالفاً ، بل كان يتَّبع أثره (٦) ، ويقفو سُورَه (٧) ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور (٨) ، وهذا بعد وفاته شبيهٌ بما بغي له من الغوائل في حياته (٩). هذا كتاب الله حكماً عدلاً ، وناطقاً فصلاً ، يقول : ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) ، ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) فبيّن عزَّ وجلَّ فيما وزَّع عليه من الأقساط ، وشرَّع من الفرايض والميراث ، وأباح من حظِّ الذُّكران والإناث ما أزاح عِلَّة المبطلين (١٠) ، وأزال التَّظنّي والشبهات في الغابرين (١١) ، كلا ( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ (١٢) أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ (١٣) وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ
__________________
(١) استبد فلان بالرأي ، أي انفرد به واستقل.
(٢) أي لا نقبض ولا نصرف.
(٣) أي لا نحط درجتك ولا ننكر فضل اصولك واجدادك وفروعك واولادك.
(٤) ترين : من الرأي بمعنى الاعتقاد.
(٥) الصادف عن الشيء : المعرض عنه.
(٦) الاثر ، بالتحريك وبالكسر ، اثر القدم.
(٧) القفو : الاتباع والسور بالضم : كل مرتفع عال ، ومنه سور المدينة ، ويكون جمع سورة وهي كل منزلة من البناء ، ومنه سورة القرآن ، لأنها منزلة بعد منزلة ، وتجمع على سور بفتح الواو ، وفي العبارة يحتملها ، والضماير المجرورة تعود إلى الله تعالى أو إلى كتابه والثاني اظهر.
(٨) الاعتلال : ابداء العلة والاعتذار ، والزور : الكذب.
(٩) البغي : الطلب ، والغوايل : المهالك والدواهي اشارات عليهاالسلام بذلك إلى ما دبروا ـ لعنهم الله ـ في اهلاك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واستيصال أهل بيته عليهمالسلام في العقبتين وغيرهما مما أوردناه متفرقا.
أقول : سيأتي الكلام في مواريث الأنبياء في باب المطاعن ان شاء الله تعالى. والتوزيع : التقسيم ، والقسط بالكسر : والحصة ولنصيب.
(١٠) الازاحة : الاذهاب والابعاد.
(١١) التظني : اعمال الظن واصله التظنن. والغابر ، الباقي : وقد يطلق على الماضي.
(١٢) التسويل : تحسين ما ليس بحسن وتزيينه وتحبيبه إلى الإنسان ليفعله او يقوله : وقيل : هو تقدير معنى في النفس على الطمع في تمامه.
(١٣) أي فصبري جميل أو الصبر الجميل اولى من الجزع الذي لا يغني شيئا. وقيل : انما يكون الصبر جميلا اذا قصد به وجه الله تعالى وفعل للوجه الذي وجب ، ذكره السيد المرتضى رضياللهعنه.