فكان الله يأتيه برزقه ، وفجّر له عينا معينا لشرابه وطهوره حتى أصاب الناس الجهد ، فأكلوا الكلاب والجيف والعظام فأرسل الملك إلى السبعين فقال لهم سلوا البعل أن يفرّج ما بنا قال : فأخرجوا أصنامهم فقرّبوا لها الذبائح ، وعكفوا عليها وجعلوا يدعون حتى طال ذلك عليهم ، فقال لهم الملك : إن إله إلياس كان أسرع إجابة من هؤلاء ، قال : فبعثوا في طلب إلياس ليدعو لهم فلم يجبهم فغارموه فقال : يا رب غار مائي ، فأوحى الله إليه أني قد أهلكت خلقا كثيرا لم أرد هلاكهم بخطايا بني إسرائيل فقال : أتحبون أن تعلموا أن الله عليكم ساخط وإنما حبس عنكم المطر للذي أنتم عليه ، فأخرجوا أوثانكم التي تعبدونها وتزعمون أنها خير مما أدعوكم إليه فادعوها هل تستجيب لكم؟ وإلّا دعوت ربي يفرّج عنكم ، فقالوا : أنفعل (١) ، فأخرجوا أوثانهم فجعلت الكذبة تدعو وتتضرع ، ويدعو إلياس معهم فلا يستجاب لهم ، فقالوا : يا إلياس ادع لنا ربك. قال : فدعا إلياس ربه أن يفرّج عنهم ، فارتفعت سحابة مثل الترس وهم ينظرون حتى ركزت عليهم ثم أدحيت (٢) ، ثم أرسل الله عليهم المطر فأغاثهم. فقال الحسن فتابوا وراجعوا.
أخبرنا أبو الوحش سبيع بن مسلم وأبو تراب حيدرة بن أحمد المقرءان ـ في كتابهما ـ قالا : حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، أنا محمد بن أحمد بن محمد ، أنا أحمد بن سندي الحداد ، حدّثنا الحسن بن علي ، حدّثنا إسماعيل العطار ، أنا إسحاق بن بشر ، قال : وقال أبو إلياس عن وهب : تمادوا بعد ذلك فلما رأى ذلك إلياس دعا ربه أن يريحه منهم ، فقيل له : انظر يوم كذا وكذا فإذا رأيت دابّة لونها مثل النار فاركبها ، فجعل يتوقع ذلك اليوم ، فإذا هو بشيء قد أقبل على صورة فرس لونه كلون النار حتى وقف بين يديه ، فوثب عليه فانطلق به ، وناداه أليسع : يا إلياس بما ذا تأمرني؟ فكان آخر العهد به ، فكساه الله عزوجل الريش ، وألبسه النور ، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فصار في الملائكة فقال : كان إنسيا (٣) ملكيا سمائيا.
وقال الحسن : هو موكل بالفيافي ، والخضر بالبحار ، وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى. فإنهما يجتمعان في كل عام بالموسم.
__________________
(١) الطبري : أنصفت.
(٢) الطبري : أدجنت.
(٣) بالأصل : «أنيسا مليكا» والمثبت عن الطبري ١ / ٤٦٤.