وليس معنى قيام المفعول مقام الفاعل أن يلي الفعل بلا فصل ، بل معناه أن يرتفع بالفعل ارتفاع الفاعل ، فتقول : علم زيدا أبوك ، والمرفوع ثاني المفعولين ، وأعلمك زيدا أبوك ، والمرفوع ثالث المفاعيل ،
وكذا يجب حفظ المراتب في باب «أعطيت» إذا ألبست مخالفته ، نحو : أعطيت زيدا أخاك ، فإن لم تلبس لقرينة جاز العدول ، كقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ)(١).
هذا الذي قلنا من حيث القياس ، ولا شك أن السماع لم يأت إلا بقيام أوّل مفعولي علمت ، لكون مرتبته بعد الفاعل بلا فصل ، والجار أحق بصقبه.
وكذا : لم يسمع إلا قيام أول مفاعيل «أعلمت» كقوله :
٥٠ ـ نبتت عمرا غير شاكر نعمتي |
|
والكفر مخبثة لنفس المنعم (٢) |
لأنه في الحقيقة : فاعل «علم» ، إذ معنى : أعلم زيد عمرا منطلقا ، علم زيد عمرا منطلقا.
وقيام ثاني مفاعيل «أعلمت» مقام الفاعل أولى من حيث القياس. من قيام ثالثها ، كما كان قيام أول مفعولي «علمت» أولى ، فتقول : أعلمك زيدا أباك ، ولا يلبس مع لزوم كلّ مركزه.
قوله : «والمفعول له والمفعول معه كذلك» ، إنما لا يقومان مقام الفاعل ، لأن النائب منابه ينبغي أن يكون مثله في كونه من ضروريات الفعل من حيث المعنى ، وإن جاز ألّا يذكر لفظا ، كما أن الفاعل من ضروريات الفعل ، ولا شك أن الفعل لا بدّ له
__________________
(١) الآية ٢٣ من سورة الجاثية.
(٢) من معلقة عنترة بن شداد العبسيّ. والكفر : انكار النعمة وجحدها. ومعنى أنه مخبثة لنفس المنعم أنه سبب لتغير نفس المنعم. والشطر الثاني يجري مجرى المثل.