اعلم أنّ من حروف الجرّ ما يزاد بعده «ما» ، وذلك خمسة أحرف ، أشار إلى ثلاثة منها في البيت الأوّل ، وهي :
«من» ، ومثال زيادة «ما» بعدها ، قوله عزوجل : مما خطاياهم (١) [نوح : ٢٥]».
و «عن» ، ومثال زيادة / «ما» بعدها قوله عزوجل : (عَمَّا قَلِيلٍ) [المؤمنون : ٤٠].
و «الباء» ، ومثال زيادة «ما» بعدها قوله عزوجل : (فَبِما)(٢) رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ [آل عمران : ١٥٩].
وقوله : «فلم يعق عن عمل» أي : لم يمنع زيادة «ما» بعد هذه الأحرف عملها ، كما في المثل المذكورة.
ثمّ أشار إلى الرّابع والخامس ممّا تلحقه (٣) «ما» في البيت الثّاني ، وهما : «ربّ» و «الكاف» ، فتارة تكفّهما عن العمل ، كقوله عزوجل : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحجر : ٢] ، وكقول الشّاعر :
١٢١ ـ عمري إنّني وأبا حميد |
|
كما النّشوان والرّجل الحليم |
__________________
(١) مما خطاياهم أغرقوا وهذه قراءة أبي عمرو ، وقرأ الباقون : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ.) انظر حجة القراءات : ٧٢٦ ، المبسوط في القراءات العشر : ٤٥٠ ، إتحاف فضلاء البشر : ٤٢٥.
(٢) في الأصل : فيها.
(٣) في الأصل : يلحقه. انظر شرح المكودي : ١ / ١٨٧.
(١٢١) ـ من الوافر لزياد بن سلمى الأعجم (ولقب بالأعجم للكنة كانت فيه) ، من أبيات ثلاثة له ، وبعده :
أريد حباءه ويريد قتلي |
|
وأعلم أنّه الرّجل اللّئيم |
فإنّ الحمر من شرّ المطايا |
|
كما الحبطات شرّ بني تميم |
ويروى : «وأعلم» بدل «لعمري» ، وعلى الرواية الأولى همزة «أنني» مكسورة وعلى الثانية مفتوحة. النشوان : السكران. الحليم : الذي عنده تأن وتحمل لما يثقل على النفس. ويروى أيضا «لعمرك» بدل «لعمري». يقول : أنا وأبو حميد كالسكران والحليم ، أتحمل منه وهو يعبث بي ، كالسكران يسفه على الحليم وهو متحمل. والشاهد في قوله : «كما النشوان» حيث اتصلت «ما» بـ «الكاف» فكفتها عن العمل ، ولذا رفع «النشوان» بعدها. ويروى : «لكالنشوان» وعليها فلا شاهد فيه.
انظر المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١٨٧ ، الخزانة : ١٠ / ٢٠٨ ، مغني اللبيب (رقم) : ٣٢٢ ، أبيات المغني : ٤ / ١٢٥ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٣٤٦ ، ٣٤٨ ، شواهد المغني : ١ / ٥٠١ ، شرح المرادي : ٢ / ٢٢٩.