وبالجرّ إذا دخل عليه حرف الجرّ ، كقوله عزوجل : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] في قراءة من جرّ ومن نوّن (١) ، وكأنّه استغنى عن ذكر الجرّ ، لشمول الفهم الأوّل له ، وخصّ النّصب بالذّكر / لكثرته.
والحاصل أنّ «قبلا» وما بعدها لها أربعة أحوال : تصريح بالمضاف إليه ، ونيّته معنى ولفظا ، وعدمه لفظا ومعنى ، وهي في هذه الأحوال الثّلاثة معربة ، وعدم ذكر المضاف إليه ونيّته معنى لا لفظا ، وهي في هذه الحالة مبنيّة على الضّمّ ، وإنّما بنيت في هذه الصّورة لأنّ لها شبها بالحرف ، لتوغّلها في الإبهام ، فإذا انضمّ إلى ذلك تضمّن معنى الإضافة ومخالفة (٢) النّظائر بتعريفها بمعنى ما هي مقطوعة عنه ـ كمل بذلك شبه الحرف ، فاستحقّت البناء ، وبنيت على الضّمّ ، لأنّه (٣) أقوى الحركات ، تنبيها على سبب عروض البناء.
ثمّ قال :
وما يلي المضاف يأتي خلفا |
|
عنه في الاعراب إذا ما حذفا |
ما يلي المضاف هو المضاف (إليه) (٤) ، والغرض بهذا الكلام : الإعلام بأنّ المضاف قد يحذف ، ويقام المضاف إليه مقامه في الإعراب ، كقوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٩٣] أي : حبّ العجل ، وكقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] (أي : أهل القرية) (٥).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وربّما جرّوا الّذي أبقوا كما |
|
قد كان قبل حذف ما تقدّما |
__________________
الكافية لابن مالك : ٢ / ٩٦٥ ، فتح رب البرية : ٢ / ١١٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥١٤ ، الهمع (رقم) : ٨١٣.
(١) على إعرابهما كإعرابهما مضافين ، والتقدير : من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء ، وهي قراءة أبو السماك والجحدري وعون العقيلي. وحكى الكسائي عن بعض بني أسد : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) الأول مخفوض منون ، والثاني مضموم بلا تنوين. وحكى الفراء : «من قبل ومن بعد» مخفوضين بغير تنوين. والجمهور بالرفع فيهما من غير تنوين.
انظر البحر المحيط : ٧ / ١٦٢ ، إعراب النحاس : ٣ / ٢٦٢ ، معاني الفراء : ٢ / ٣١٩ ، إملاء ما من به الرحمن : ٢ / ١٨٤ ، شرح المكودي : ١ / ٢٠٢ ، الهمع : ٣ / ١٩٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٩٦٥.
(٢) في الأصل : الواو. ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٣.
(٣) في الأصل : لأنها. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٣.
(٤ ـ ٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٢٠٣.