وبلغة أهل الحجاز جاء القرآن غالبا ، نحو : (وَمَنْ / يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ، وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) [المدثر : ٦] ، وهو في القرآن كثير.
وممّا جاء فيه مدغما ، قوله تعالى : (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ) [الحشر : ٤] ـ في الحشر (١) ـ عند جميع القرّاء ، و (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) [المائدة : ٥٤] ، في قراءة ابن كثير (٢) وابن عمرو (٣) والكوفيّين (٤).
وإنّما خيّر النّاظم في الوجهين ، لأنّ المتكلّم به يجوز له أنّ يتكلّم بالّلغتين معا ، إلا أنّ العربيّ الّذي لغته التّفكيك غير مخيّر ، لأنّه لا ينطق به مفكّكا ، وكذلك الّذي لغته الإدغام ، لا ينطق به إلا مدغما.
ثمّ إنّ ما ذكره في الأمر من جواز الفكّ والإدغام (يوهم) (٥) أنّ ذلك أيضا جائز في «أفعل» في التّعجّب ، لأنّه على صيغة الأمر ، وفي «هلمّ» ، لأنّه أمر في المعنى ، فأخرجهما فقال رحمهالله تعالى :
وفكّ أفعل في التّعجّب التزم |
|
والتزم الإدغام أيضا في هلم |
يعني : أنّ «أفعل» في التّعجّب يلزم فكّه (٦) ، وليس حكمه حكم الأمر في
__________________
(١) أي : في سورة الحشر.
(٢) هو عبد الله بن كثير الداري المكي ، أبو معبد ، أحد القراء السبعة ، ولد بمكة سنة ٤٥ ه ، وأصبح قاضي الجماعة بمكة ، وكانت حرفته العطارة ، ويسمون العطار : «داريا» بتشديد الياء ، فعرف بالداري ، وتوفي بمكة أيضا سنة ١٢٠ ه. انظر ترجمته في طبقات القراء : ١ / ٤٤٣ ، الأعلام : ٤ / ١١٥ ، النشر في القراءات العشر : ١ / ١٢٠.
(٣) هو : زبان بن عمار التميمي المازني البصري ، أبو عمرو ، ويلقب أبوه بالعلاء ، أحد القراء السبعة ومن أئمة اللغة والأدب ، ولد بمكة سنة ٧٠ ه ، ونشأ بالبصرة ، وتوفي بالكوفة سنة ١٥٤ ه. انظر ترجمته في طبقات القراء : ١ / ٢٨٨ ، فوات الوفيات : ١ / ٣١٨ ، نزهة الألباء : ٣١ ، الأعلام : ٣ / ٤١ ، النشر في القراءات العشر : ١٣٤.
(٤) وهي قراءة ما عدا نافع وابن عامر وأبي جعفر ، وبها قرأ أهل الكوفة وأهل البصرة ، وهي لغة بني تميم. وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر «يرتدد» بدالين ، الأولى مكسورة والثانية مجرورة وهي لغة أهل الحجاز ، وقراءة أهل المدينة وأهل الشام.
انظر النشر في القراءات العشر : ٢ / ٢٥٥ ، المبسوط في القراءات العشر : ١٨٦ ، إملاء ما من به الرحمن : ١ / ٢١٩ ، البيان لابن الأنباري : ١ / ٢٩٧ ، حجة القراءات : ٢٣٠ ، إتحاف فضلاء البشر : ٢٠١ ، إعراب النحاس : ٢ / ٢٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ٢١٩١ ، شرح المكودي : ٢ / ٢٠٦.
(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ٢٠٦.
(٦) قال ابن مالك : «بإجماع». وكأنه أراد إجماع العرب ، فإنه لم يسمع غيره ، وإلا فقد حكى الكسائي إجازة إدغامه نحو «أحب بزيد».