وجاء» (١) فإنّما جاء ؛ لأنّ من كان بحضرته ، يستدلّ بأمره للغائب على أنّه داخل في حكمه ؛ وأمّا قول بعض العرب «عليه رجلا (٢) ليسني» فلا يقاس عليه ، لأنّه كالمثل.
[خلافهم في جواز تقديم معمول هذه الكلم عليها]
فإن قيل : فهل يجوز تقديم معمول هذه الكلم عليها أو لا؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز تقديم معمولها عليها ؛ لأنّها فرع على الفعل في العمل ، فينبغي ألّا تتصرّف تصرّفه. وأمّا الكوفيّون : فذهبوا إلى جواز تقديم معمولها عليها ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ)(٣) ، فنصب (كِتابَ اللهِ) «ب (عَلَيْكُمْ) واستدلّوا ـ أيضا ـ بقول الشّاعر (٤) : [الرّجز]
يا أيّها المائح دلوي دونكا |
|
إنّي رأيت النّاس يحمدونكا (٥) |
يثنون خيرا ويمجّدونكا |
والتّقدير : دونك دلوي ؛ فدلوي : في موضع نصب ب «دونك» فدلّ على جواز تقديم معمولها عليها. والصّحيح : ما ذهب إليه البصريّون ؛ وأمّا ما استدلّ به الكوفيّون ، فلا حجّة لهم فيه ؛ لأنّ قوله تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ليس هو منصوبا ب (عَلَيْكُمْ) وإنّما هو منصوب على المصدر بفعل مقدّر ، وإنّما قدّر هذا
__________________
(١) حديث صحيح متّفق عليه ؛ وتمامه : «يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج ، فإنّه أغض للبصر ، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء. صحيح البخاري ٤ / ١١٩ و ٩ / ١١٢ ، وصحيح مسلم ٢ / ١٠١٨.
المفردات الغريبة : الباءة : القدرة على مباشرة الزّوج. وجاء : وقاية من الوقوع في الزّنى.
وقد أوضح المؤلّف في المتن مراده من الاستشهاد بهذا الحديث.
(٢) في (س) زحلا ، وهو تصحيف.
(٣) س : ٤ (النّساء ، ن : ٢٤ ، مد).
(٤) ينسب هذا الرّجز إلى جارية من بني مازن من دون تحديد.
(٥) المفردات الغريبة : المائح : الرّجل الذي يكون في أسفل البئر ؛ ليستقي الماء. والماتح :هو الذي يكون على رأس البئر.
موطن الشّاهد : (دلوي دونكا).
وجه الاستشهاد : استشهد الكوفيّون بهذا الشّاهد على جواز تقديم معمول «دون» عليها ؛ كما جاء في المتن ، وقد بيّن المؤلّف فساد هذا الزّعم في المتن بما يغني عن الإعادة.