الوجه الأوّل : أنّهم قالوا إنّما قلنا : إنّه معرب مجزوم ؛ لأنّ الأصل في : «قم ، واذهب : لتقم ، ولتذهب» قال الله تعالى : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)(١) وذكر أنّها قراءة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وقد روي عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال في بعض مغازيه : «لتأخذوا مصافّكم» (٢) ؛ فدلّ على أنّ الأصل في «قم : لتقم ، واذهب : لتذهب» إلّا أنّه لمّا كثر / في / (٣) كلامهم ، وجرى على ألسنتهم ؛ استثقلوا مجيء اللّام فيه مع كثرة الاستعمال / فيه / (٤) ؛ فحذفوها (٥) مع حرف المضارعة تخفيفا ؛ كما قالوا «إيش» والأصل فيه : «أيّ شيء» وكقولهم : «ويلمّه» والأصل فيه : «ويل أمّه» ؛ فحذفوا لكثرة الاستعمال ؛ فكذلك ههنا.
والوجه الثّاني : أنّهم قالوا : أجمعنا على أنّ فعل النّهي معرب مجزوم ؛ نحو : «لا تقم ، ولا تذهب» فكذلك فعل الأمر ؛ نحو : «قم ، واقعد» ؛ لأنّ النّهي ضدّ الأمر ، وهم يحملون الشّيء على ضدّه ، كما يحملونه على نظيره.
والوجه الثّالث (٦) : أنّهم قالوا : الدّليل على أنّه مجزوم ، أنّك تقول في المعتلّ : «اغز ، ارم ، اخش» فتحذف الواو ، والياء ، والألف ؛ كما تقول : «لم يغز ، لم يرم ، لم يخش» فدلّ على أنّه مجزوم بلام مقدّرة ، وقد يجوز إعمال حرف الجزم مع الحذف ؛ قال الشّاعر (٧) : [الوافر]
محمّد تفد نفسك كلّ نفس |
|
إذا ما خفت من أمر تبالا (٨) |
و/ أمّا / (٩) ما ذهب إليه الكوفيّون ففاسد ؛ وقولهم : إنّ الأصل في : «قم : لتقم ، واذهب : لتذهب» إلّا أنّهم حذفوه (١٠) ؛ لكثرة الاستعمال ؛ قلنا : ليس
__________________
(١) س : ١٠ (يونس ، ن : ٥٨ ، مك).
(٢) لا وجود لهذا اللّفظ في كتب السّنّة ، وفي البخاري قريب منه ؛ وهو «فلتسوّوا صفوفكم».
(٣) سقطت من (ط). (٤) سقطت من (س).
(٥) في (ط) فحذفوه.
(٦) في (س) الثّاني ، وهو سهو واضح.
(٧) ينسب هذا الشّاهد إلى عدد من الشّعراء ؛ منهم حسّان بن ثابت ، وأبو طالب عمّ النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ والأعشى.
(٨) المفردات الغريبة : التّبال : كالوبال ، سوء العاقبة.
موطن الشّاهد : (تفد).
وجه الاستشهاد : إضمار لام الأمر المقترنة بفعل الأمر «تفد» مع بقاء عملها ؛ لأنّ الأصل فيه : لتفد ؛ وإعمال لام الأمر بعد إضمارها من أقبح الضّرورات.
(٩) سقطت في (س).
(١٠) في (س) أنّه حذف.