قال : إنّ حرف الشّرط يعمل في فعل الشّرط ، وفعل الشّرط يعمل في الجواب ، فقال : لأنّ فعل الشّرط يقتضي الجواب ، وهو أقرب إليه من الحرف ، فكان عمله فيه أولى من الحرف. وأمّا من قال : إنّه مبنيّ على الوقف ؛ فقال : لأنّ الفعل المضارع ، إنّما أعرب لوقوعه موقع الأسماء ، والجواب ـ ههنا ـ لم يقع موقع الأسماء ؛ فوجب أن يكون مبنيّا. وذهب الكوفيّون إلى أنّه مجزوم (١) على الجوار ؛ لأنّ جواب الشّرط مجاور لفعل الشّرط ، فكان محمولا عليه في الجزم ، والحمل على الجوار كثير في كلامهم ، قال الشّاعر (٢) : [البسيط]
كأنّما ضربت قدّام أعينها |
|
قطنا بمستحصد الأوتار محلوج (٣) |
وكان يقتضي أن يقال : «محلوجا» فخفضه على الجوار (٤) ، وكقول الآخر (٥) : [الرّجز]
كأنّ نسج العنكبوت المرمل (٦)
وكقولهم : «جحر ضبّ خرب» وما أشبه ذلك ؛ وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ الحمل على الجوار قليل ، يقتصر فيه على السّماع ، ولا يقاس عليه لقلّته. وقد اعترض على هذه المذاهب كلّها باعتراضات : فأمّا من قال إنّ حرف الشّرط
__________________
(١) في (س) مبنيّ.
(٢) لم ينسب إلى قائل معيّن.
(٣) المفردات الغريبة : مستحصد الأوتار : أوتار القوس المشدودة المحكمة. القطن المحلوج : المندوف المنفوش.
موطن الشّاهد : (قطنا. . . محلوج).
وجه الاستشهاد : مجيء «محلوج» مجرورا ؛ لمجاورته «الأوتار» المجرورة ؛ والأصل فيه أن يكون منصوبا ؛ لأنّه صفة ل «قطنا» المنصوب ؛ والجرّ على المجاورة جائز في الشّعر والنّثر.
(٤) والخفض على الجوار كثير شائع في اللّغة.
(٥) القائل : العجّاج ، وقد سبقت ترجمته.
(٦) المفردات الغريبة : المرمل : يقال أرمل سريره : إذا نسج شريطا ، أو غيره ، فجعله ظهرا له.
موطن الشّاهد : (المرمل).
وجه الاستشهاد : جرّ «المرمل» لمجاورته «العنكبوت» المجرور ؛ والأصل والقياس فيه النّصب ؛ لكونه صفة ل «غزل».
فائدة : كان الخليل بن أحمد الفراهيدي ، لا يجيز الجرّ على المجاورة إلّا إذا استوى المتجاوران في التّعريف ، والتّنكير ، والتّذكير ، والتّأنيث ، والإفراد ، والتّثنية ، والجمع.