مسائل الخلاف بين البصريّين والكوفّيين. وذهب بعض النّحويّين إلى أنّ هذه الأسماء إذا كانت في موضع رفع ؛ كان فيها نقل بلا قلب ، وإذا كانت في موضع نصب ، كان فيها قلب بلا نقل ، وإذا كانت في موضع جرّ كان فيها نقل وقلب ؛ ألا ترى أنّك إذا قلت : هذا أبوك ، كان الأصل فيه : هذا أبوك ؛ فنقلت الضّمّة من الواو إلى ما قبلها ، فكان فيه نقل بلا قلب ، وإذا قلت : رأيت أباك ، كان الأصل فيه : رأيت أبوك ، فتحرّكت الواو ، وانفتح ما قبلها ، فقلبت الواو ألفا ، فكان فيه قلب بلا نقل ، وإذا قلت : مررت بأبيك ، كان الأصل فيه : مررت بأبوك ؛ فنقلت الكسرة من الواو إلى ما قبلها ، وانقلبت الواو ياء ؛ لسكونها وانكسار ما قبلها ، فكان فيه نقل وقلب ؛ وذهب بعض النّحويّين إلى أنّ الياء والواو والألف ، نشأت عن إشباع الحركات كقول الشّاعر (١) : [البسيط]
الله يعلم أنّا في تلفّتنا |
|
يوم الفراق إلى إخواننا صور |
وأنّني حيثما يثن الهوى بصري |
|
من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور (٢) |
أراد : فأنظر ، فأشبع الضّمّة ؛ فنشأت الواو. وكما قال الآخر (٣) في إشباع الفتحة : [الوافر]
وأنت من الغوائل حين ترمي |
|
ومن ذم الرجال بمنتزاح (٤) |
أراد : بمنتزح ، فأشبع الفتحة ؛ فنشأت الألف ؛ وقال الآخر (٥) في إشباع الكسرة : [البسيط]
تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة |
|
نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف (٦) |
__________________
(١) لم ينسب إلى قائل معيّن.
(٢) المفردات الغريبة : صور : جمع «أصور» وهو المائل العنق.
موطن الشّاهد : «فأنظور» وجه الاستشهاد : أشبع الشّاعر ضمّة الظّاء ـ مراعاة للوزن ـ فنشأت الواو ؛ وهذا جائز في الشّعر ؛ لإقامة الوزن.
(٣) ينسب البيت إلى إبراهيم بن هرمة ، وهو شاعر غزل من مخضرمي الدّولتين الأمويّة والعبّاسيّة ، وهو آخر من يحتجّ بشعره من الشّعراء ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات حوالى ١٥٠ ه. الشّعر والشّعراء ٢ / ٧٥٣٤.
(٤) المفردات الغريبة : الغوائل : نوازل الدّهر. منتزاح : منتزح ؛ وهو البعيد.
موطن الشّاهد : «بمنتزاح». وجه الاستشهاد : أشبع الشّاعر فتحة الزّاي ـ مراعاة للوزن ـ فنشأت الألف ؛ وحكم هذا الجواز في الشّعر ؛ لإقامة الوزن.
(٥) القائل : الفرزدق ، وهو همّام بن غالب التّميميّ ، أحد ثالوث الشّعر في العصر الأموي ؛ جرير ، والأخطل ، والفرزدق ، وكان أكثرهما فخرا ؛ له يوان شعر مطبوع. مات سنة ١١٠ ه.
(٦) المفردات الغريبة : تنفي : تدفع. الحصى : جمع حصاة. الهاجرة : وقت اشتداد الحرّ