الثّلاثة ، على الألف المبدلة من التّنوين لأنّهم إنّما خصّوا الإبدال بحال النّصب في الصّحيح ؛ لأنّه يؤدّي إلى الألف التي هي أخفّ الحروف ، ولم يبدلوا في حالة الرّفع والجرّ ؛ لأنّه يفضي إلى الثّقل واللّبس ؛ وذلك غير موجود هنا ؛ لأنّ ما قبل التّنوين ـ ههنا ـ لا يكون إلّا مفتوحا ، فأبدلوا منه ألفا ؛ لأنّه لا يجلب ثقلا ، ولا يجلب لبسا ؛ وذهب أبو سعيد السّيرافيّ (١) إلى أنّ الوقف في الأحوال الثّلاثة على الألف المبدلة من الحرف الأصليّ ، وذلك ؛ لأنّ بعض القرّاء يميلونها في قوله تعالى : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً)(٢) ولو كانت مبدلة من التّنوين ؛ لما جازت ـ ههنا ـ إمالتها ، ألا ترى أنّك لو أملت الألف في نحو : رأيت عمرا ؛ لكان غير جائز؟ فلمّا جازت الإمالة ـ ههنا ـ دلّ على أنّها مبدلة من الحرف الأصليّ لا من التّنوين.
[المقصور غير المنصرف]
وغير المنصرف : ما لم يلحقه التّنوين ، وذلك ؛ نحو : حبلى ، وبشرى ، وسكرى ، وتثبت فيه الألف وصلا ووقفا ، إذ ليس يلحقها تنوين ، تحذف من أجله ، فإن لقيها ساكن من كلمة أخرى ؛ حذفت لالتقاء السّاكنين.
[علّة إعراب الأسماء السّتة بالحروف]
فإن قيل : فلم أعربت الأسماء السّتة المعتلّة بالحروف وهي أسماء مفردة؟
قيل : إنّما أعربت بالحروف توطئة لما يأتي من باب التّثنية والجمع. فإن قيل : فلم كانت هذه الأسماء أولى بالتّوطئة (٣) من غيرها؟ قيل : لأنّ هذه الأسماء منها ما تغلب عليه الإضافة ؛ ومنها ما تلزمه الإضافة ، فما تغلب عليه : أبوك ، وأخوك ، وحموك ، وهنوك ؛ وما تلزمه الإضافة : فوك ، وذو مال ؛ والإضافة فرع على الإفراد ، كما أنّ التّثنية والجمع فرع على المفرد ، فلّما وجدت المشابهة بينهما من هذا الوجه ؛ كانت أولى من غيرها ؛ ولمّا وجب أن تعرب بالحروف لهذه المشابهة ، أقاموا كلّ حرف مقام ما يجانسه من الحركات ؛ فجعلوا الواو علامة للرّفع ، والألف علامة للنّصب ، والياء علامة للجرّ ؛ وذهب الكوفيّون إلى أنّ الواو والضّمّة قبلها علامة للرّفع ، والألف والفتحة قبلها علامة للنّصب ، والياء والكسرة قبلها علامة للجرّ ، فجعلوه معربا من مكانين ، وقد بيّنّا فساده في
__________________
آثاره : التّصريف الملوكي. مات سنة ٢٤٩ ه. إنباه الرّواة ١ / ٢٤٦ ، وبغية الوعاة ١ / ٤٦٣.
(١) السّيرافيّ : أبو سعيد ، الحسن بن عبد الله ، نحويّ ، متفقّه ، ورع ؛ من مؤلّفاته : أخبار النّحويّين البصريّين ، وشرح كتاب سيبويه. مات سنة ٣٦٨ ه. البغية : ١ / ٥٠٧ ـ ٥٠٩.
(٢) س : ٢٠ (طه ، ن : ١٠ ، مك).
(٣) في (س) بالتّوطيد.