فإن قيل : فلم ضمّوا الأوّل ، وكسروا الثّاني ؛ نحو : «ضرب زيد» وما أشبه ذلك؟ قيل : إنّما ضمّوا الأوّل ؛ ليكون دلالة على المحذوف الذي هو الفاعل إذ (١) كان من علاماته ، وإنّما كسروا الثّاني ؛ لأنّهم لمّا حذفوا الفاعل الذي لا يجوز حذفه ، أرادوا أن يصوغوه على بناء لا يشركه فيه شيء من الأبنية ، فبنوه على هذه الصّيغة ، فكسروا الثّاني ؛ لأنّهم لو ضمّوه ؛ لكان على وزن : طنب (٢) ، وجمل (٣) ، ولو فتحوه ؛ لكان على وزن : نغر (٤) وصرد (٥) ، ولو أسكنوه ؛ لكان على وزن : قلب (٦) وقفل ، فلم يبق إلّا الكسر ؛ فحرّكوه به.
فإن قيل : فلم كسروا أوّل المعتل ؛ نحو : قيل ، وبيع ، ولم يضمّوه كالصّحيح؟ قيل : كان القياس يقتضي أن يجرى المعتلّ مجرى الصّحيح في ضمّ أوّله ، وكسر ثانية ، إلّا أنّهم استثقلوا الكسرة على حرف العلّة ، فنقلوها إلى القاف ، فانقلبت الواو ياء ؛ لسكونها وانكسار ما قبلها ، كما قلبوها في : ميعاد ، وميقات ، وميزان ؛ وأصلها : موعاد ، وموقات ، وموزان ؛ لأنّها من الوعد ، والوقت ، الوزن ، وأمّا الياء ، فثبتت ؛ لانكسار ما قبلها ؛ على أنّه من العرب من يشير إلى الضّمّ تنبيها على أنّ الأصل في هذا النّحو ، هو الضّمّ ، ومن العرب ـ أيضا ـ من يحذف الكسرة ، ولا ينقلها ، ويقرّ الواو ؛ لانضمام ما قبلها ، وتقلب الياء واوا ؛ لسكونها وانضمام ما قبلها ؛ كما قال الشّاعر (٧) : [الرّجز]
ليت وهل ينفع شيئا ليت |
|
ليت شبابا بوع فاشتريت |
__________________
(١) في (ط) إذا ؛ والصّواب ما أثبتنا من (س).
(٢) طنب : (بضمّ أوّله وثانيه) حبل طويل يشدّ به سرادق البيت أو الوتد ؛ وجمعه أطناب.
القاموس : مادة (طنب) ص ١٠٢.
(٣) جمل : جمع جمل.
(٤) نغر : البلبل والعصفور الصّغير. القاموس : مادة (نغر) ص ٤٣٧.
(٥) صرد : طائر ضخم الرّأس يصطاد العصافير ؛ أو هو أوّل طائر صام لله تعالى. القاموس :مادة (صرد) ص ٢٦٥.
(٦) قلب : سوار المرأة ، وقد سبقت الإشارة إليه.
(٧) الشّاعر : رؤبة بن العجّاج الرّجّاز المشهور. كان من أفصح الرّجّاز في عصره ؛ وكان العلماء يحتجّون بشعره ولغته ؛ قال الخليل بن أحمد الفراهيدي يوم موته : «دفنّا اللّغة ، والشّعر ، والفصاحة». مات سنة ١٤٥ ه. الشّعر والشّعراء ٢ / ٥٩٤.
موطن الشّاهد : (بوع) وجه الاستشهاد : وقوع «بوع» على لغة بعض العرب والمشهور فيها : بيع.