وهذا أكثر من أن يحصى ، وقد ذكرناه مستقصى في المسائل الخلافيّة ، فلا نعيده ههنا.
[فاعل نعم وبئس اسم جنس]
فإن قيل : فلم وجب أن يكون فاعل نعم وبئس اسم جنس؟ قيل : لوجهين :
أحدهما : أنّ نعم لمّا وضعت للمدح العام ، وبئس للذّمّ العام ، خصّ فاعلهما باللّفظ العام.
والوجه الثّاني : إنّما وجب أن يكون اسم جنس ؛ ليدلّ على أنّ الممدوح والمذموم مستحقّ للمدح والذّمّ في ذلك الجنس.
[جواز الإضمار في نعم وبئس قبل ذكرهما]
فإن قيل : فلم جاز الإضمار فيهما (١) قبل الذّكر؟ قيل : إنّما جاز الإضمار فيهما قبل الذّكر ؛ لأنّ المضمر قبل الذّكر يشبه النّكرة ؛ لأنّه لا يعلم إلى أي شيء يعود حتى يفسّر ، ونعم وبئس لا يكون فاعلهما معرفة محضة ، فلمّا ضارع المضمر فاعلهما ؛ جاز الإضمار فيهما.
فإن قيل : فلم فعلوا ذلك؟ قيل : إنّما فعلوا ذلك طلبا للتّخفيف والإيجاز ؛ لأنّهم أبدا يتوخّون الإيجاز والاختصار في كلامهم.
فإن قيل : فكيف يحصل التّخفيف ، والإضمار على شريطة التّفسير؟ قيل : لأنّ التّفسير إنّما يكون بنكرة منصوبة ؛ نحو : «نعم رجلا زيد» والنّكرة أخفّ من المعرفة.
فإن قيل : فعلى ما ذا انتصبت النّكرة؟ قيل : على التّمييز.
__________________
غير أنّ الشّاعر اضطرّ لإقامة الوزن ، فأشبع كسرة التّاء ؛ فتولّدت عنها الياء ؛ وهذه الياء ياء الإشباع ، وليست لام الكلمة ـ وهذا هو المراد من الاستشهاد بهذا البيت ـ ولكن للنّحاة آراء أخرى في هذا الشّاهد وهي :
أـ ربّما أجرى الشّاعر الفعل المعتلّ مجرى الفعل الصّحيح ، فجعل علامة الجزم السّكون خلافا للقاعدة.
ب ـ نقل البغدادي في خزانة الأدب أنّ سيبويه عدّ هذا البيت في باب الضّرورات ، ورواه ب «ألم يأتك» بحذف الياء.
ج ـ وقال ابن جنّي : «أنشده أبو العبّاس المبرّد ، عن الأصمعي : ألا هل أتاك» ؛ ورواه بعضهم : «ألم يبلغك» ثمّ قال : ولا شاهد فيه في الرّوايات الثّلاث. خزانة الأدب : ٣ / ٥٣٤.
(١) في (س) في نعم وبئس.