فيها راحلةٌ ، فليس المعنى ما ذَهَبَ إليه. والذي عندي فيه أنَّ الله تبارك وتعالى ذَمَّ الدنيا ورُكُونَ الخلْقِ إليها وحذَّرَ عِبَادَهُ سُوءَ مَغَبَّتِها ، وزهَّدَهُم في اقتنائِها وزُخْرُفِها وضربَ لَهُمْ فيها الأمْثَالَ لِيَعُوها ويَعْتَبِرُوا بها ، فقال : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ) [الحَديد : ٢٠] الآية. وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يحذِّرُ أصحابَه بما حذَّرَهم الله من ذَمِيم عَوَاقِبِها وينهاهم عن التَّبَقُّرِ فيها ويزهِّدُهم فيما زهَّدَهُم الله فيه منها ، فَرَغِبَ أكثرُ أصحابه عليهالسلام بعده فِيهَا ، وتَشَاحُّوا عليها وتَنَافَسُوا في اقتنائِها حتى كان الزهدُ في النادِرِ القليلِ منهم ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «تجدون الناس بَعْدِي كإبلٍ مِائَةٍ ليس فيها راحلةٌ» ولم يُرِدْ بهذا تساوِيَهُم في الشَّرِّ ولكنه أراد أنَّ الكامِلَ في الخَيْرِ والزَّاهِدَ في الدُّنيَا مع رَغبَتِهِ في الآخِرَةِ والعملِ لها قليلٌ ، كما أن الراحلَةَ النجيبةَ نادِرٌ في الإبل الكثيرِ.
وسمعت غَيْرَ واحِدٍ من مشايِخِنا يقول : إن زُهَّادَ أصحابِ رسولِ الله صلىاللهعليهوسلم لم يَتَتَامُّوا عشرةً مع وُفُور عددِهم وكثرة خَيْرِهم ، وسبقِهم الأمَّةَ إلى ما يستَوْجِبُون به كريمَ المآب برحمة الله إيَّاهم وَرِضْوانِه عليهم. فكيف مَنْ بَعْدَهم. وقد شاهَدُوا التَّنْزِيلَ وعايَنُوا الرَّسُولَ وكانوا مع الرغْبَةِ التي ظَهَرَتْ منهم في الدنيا خَيْرَ هذه الأمة التي وصَفَهَا الله جلَّ وعَزَّ فقال : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عِمرَان : ١١٠] وواجبٌ على مَنْ بَعْدَهمْ الاستغفارُ لهم والترحمُ عليْهِم وأن يسأَلُوا الله أَلَّا يجعل في قُلُوبهم غِلًّا لهم ولا يذكُرُوا أحداً بما فيه مَنْقَصَةٌ لهم ، والله يرحمنا وإيّاهم ويتغمَّد زَلَلَنَا بفضْلِهِ ورحمته (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
أبو عبيد عن أبي عمرو : ناقَةٌ رَحِيلَةٌ : شديدَةٌ قويَّةٌ على السير ، وجمل رَحيلٌ مِثلُه ، وإنَّها لَذَاتُ رُحْلَةٍ. وقال الأمَويٌّ ناقةٌ حِضَارٌ إذا جَمَعَتْ قُوَّةً ورُحْلَةً يعني جَوْدَةَ السير.
وقال شَمِر : ارْتَحَلْتُ البعيرَ إذا شدَدْتُ الرَّحْلَ عَلَيْهِ وارْتَحَلْتُه إذا رَكِبْتَهُ بقتب أو اعْرَوْرَيْتَهُ وقال الجعدي :
وما عَصَيْتُ أميراً غَيْرَ مُتَّهَمٍ |
عِنْدِي ولكنَّ أَمْرَ المرْءِ مَا ارْتَحَلَا |
أي يَرْتَحِلُ الأمر ، يركبه.
قال شمر : ولو أنّ رجلاً صَرَع آخر وقعد على ظهره لقلت رأيتُه مُرْتَحِله. ومُرْتَحَلُ البعير : مَوْضِعُ رَحْلِه من ظَهْرِه وهو مَرْحَلُهُ ، قال : وبعيرٌ ذو رُحْلَةٍ وذو رِحلة وبعير مِرْحَلٌ ورَحِيلٌ إذا كان قويّاً.
الحرَّاني عن ابن السكيت : قال الفراء : رِحْلَةٌ ورُحْلَةٌ بمعنًى واحدٍ ، قال وقال أبو عمرو الرِّحْلَةُ : الارتحال ، والرُّحلَةُ بالضم : الوجْه الذي تُرِيدُه. تقول : أَنتُمْ رُحْلَتِي. قال وقال أبو زيد نَحْواً منه.
ويقال للراحلة التي رِيضَتْ وأُدِّبت : قد أَرحَلَتْ إِرْحَالاً وأَمهَرَتْ إِمْهَاراً إذا جَعَلها الرائِض مَهْريَّة وراحلةً.