قال لي أبو الحسن : محمّد بن سعدان صاحب أبي الفتوح (١) المعروف ب «من» بكسر الميم ، يقال لامّها : بنت الصيرفي ، وكان «من» هذا الذي يقال له ابن سعدان يخبر بنت أبي الفتوح ، فوجد جارية لهم معها ولد لها لا يعرف أبوه ، فأخذه منها وربّاه وأدّبه ، ثمّ نهض به إلى الدريزي (٢) ، فقال : هذا ولد الأمير شكر وسمّاه جعفر احمله أنت إلى أبيه ، وقد ألقيت ثقله عن منكبي ، وحملتك إيّاه.
فكساه الدريزي وحمله وزوّده ونفقه جملة دنانير ، وأنفذ معه من أوصله إلى مكّة ، فما دخل على شكر قال له «من» : أيّها الأمير رأيت جاريتك فلانة ببلد حربى معها هذا الولد ، وذكرت أنّه منك ، ولم آمن أن تكون صادقة ، فأنفقت عليه مالي وكديت له وجئتك به ، فإن تكن صادقة فقد فعلت عظيما ، وإن كانت كاذبة فما ضرّك منّي شيء ، فقال شكر : كذبت لعنها الله ، والله ما أعرف هذا وجزّاه خيرا ، وحصل (٣) ما أخذه من الدريزي على الصبي وعلى من معه.
ثمّ إنّ النساء العلويّات نظرن إلى الصبيّ وقلن لواسطته الذي هو «من» : حدّثنا من حديثه ، وجعلن يعتبن على الأمير شكر وكثرت القالة ، فقال له شكر : إن رأيتك في بلادي ضربت رقبتك.
فأخذ الصبي ومضى إلى عبيد ومستضعفين من آل أبي طالب ، فجمع جمعه ونفقهم وانحدر بالصبي والجماعة معه ، كلّما مرّ بقوم قال : هذا ابن أبي عبد الله شكر قد أنفذه أبيه حتّى يجيء بامّه فأخذ «كلّ سفينة غصبا» وتحصّل له مال
__________________
(١) في مطبوعة «العمدة» المعروف بابن صاحب الفتوح.
(٢) في ش : «الذريري» تارة و «الزريري» أخرى وفي «ك» كتبت بصورت تحتمل الوجهين : «الدريزي» كذا.
(٣) في «العمدة» : جعل.