أخرى.
كانوا المقدّمين في المجتمع والأسوة للآخرين على الدوام بما كانوا يتمتّعون به من قوة وثراء ، لهذا كانوا يظنون أنّهم بإظهار الكفر سيكونون أسوة للآخرين أيضا ، وأن الناس سوف يتبعونهم كما كانوا يفعلون ذلك من قبل ، ولكنّهم سرعان ما وقفوا على خطأهم ، وعلموا أنّ الناس قد اكتسبوا بالإيمان بالله على شخصيّة حضارية جديدة واستقلال فكري ، وقوة إرادة.
والجدير بالانتباه أنّ الأغنياء والملأ وصفوا في الآيات الحاضرة بالمستكبرين ، ووصفت الجماهير الكادحة المؤمنة بالمستضعفين ، وهذا يفيد الفريق الأوّل قد وصلوا بشعورهم بالتفوق ، وغصب حقوق الناس واستغلالهم إلى مرتبة ما يسمى في لغة العصر بـ «الطبقة المستغلّة» ، والفريق الآخر بالطبقة المستغلّة.
عند ما يئس الملأ والأغنياء المستكبرون من زعزعة الإيمان في نفوس الجماهير المؤمنة بصالح عليهالسلام ، ومن جانب آخر رأوا أنّ وساوسهم وشائعاتهم لا تجدي نفعا مع وجود «الناقة» التي كانت تعدّ معجزة صالح عليهالسلام ، لهذا قرّروا قتل الناقة ، مخالفين بذلك أمر ربّهم (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) (١).
ولم يكتفوا بهذا أيضا ، بل أتوا إلى صالح نفسه وبصراحة (قالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
يعني أنّنا لا نخاف تهديداتك مطلقا ، وأن هذه التهديدات جميعها لا أساس لها ... والحقيقة أنّ هذا الكلام نوع من الحرب النفسية ضد صالح عليهالسلام ، بهدف إضعاف روحيته وروحية المؤمنين به.
وعند ما وصل المعارضون بطغيانهم وتمرّدهم إلى آخر درجة ، وأطفأوا في
__________________
(١) المراد من العقر هو قطع عصب خاص خلف رجل الناقة أو الفرس هو سبب حركتها ، فإذا قطع سقط الحيوان ، وفقد القدرة على الحركة ، والتنقل.