لقد قاوم السحرة كلتا حربتي فرعون ، وأجابوه جواب رجل واحد : إنّنا نرجع إلى ربّنا إذن (قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ).
يعني إذا تحقق تهديدك الثّاني (وهو القتل) فمعناه أنّنا سننال الشهادة في سبيل الدفاع عن الحق ، وهذا لا يوجب ضررا علينا ، ولا ينقصنا شيئا ، بل يعدّ سعادة وفخرا عظيما لنا.
ثمّ إنّهم للردّ على تهمة فرعون ، ولإيضاح الحقيقة لجماهير المتفرجين على هذا المشهد ، واثبات براءتهم من أي ذنب ، قالوا : إنّ الإشكال الوحيد الذي تورده علينا هو أنّنا آمنا بآيات الله وقد جاءتنا (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا).
يعني أنّنا لسنا مشاغبين ، ولا متآمرين ، ولا متواطئين ضدك ، وليس إيماننا بموسى يعني أنّنا نريد استلام أزمة الحكم ، ولا أن نخرج أهل هذه البلاد من ديارهم ، وأنت نفسك تعلم أننا لسنا بهذا الصدد ، بل نحن عند ما رأينا الحق وشاهدنا علائمه بوضوح أجبنا داعي الله ولبينا نداءه وآمنا به ، وهذا هو ذنبنا الوحيد في نظرك ليس غير.
وهكذا أظهروا لفرعون بالجملة الأولى أنّهم لا يخافون أي تهديد ، وأنّهم يستقبلون جميع الحوادث والتبعات حتى الشهادة بمنتهى الشهامة. وبالجملة الثّانية ردّوا بصراحة على الاتهامات التي وجهها فرعون إليهم.
إن جملة «تنقم» مشتقة من مادة «نقمة» على وزن «نعمة» وهي في الأصل تعني رفض شيء باللسان أو بالعمل والعقوبة. وعلى هذا فإنّ الآية أعلاه يمكن أن تكون بمعنى إنّ العمل الوحيد الذي تنكره علينا هو أنّنا آمنا ، أو يعني أنّ العقوبة التي تريد أن تعاقبنا بها إنما هو لأجل إيماننا.
ثمّ إنّهم أشاحوا بوجوههم عن فرعون وتوجهوا إلى الله سبحانه ، وطلبوا منه الصبر والاستقامة ، لأنّهم كانوا يعلمون أنّهم لا يستطيعون أن يقاوموا تلك