وعلى هذا فلا مكان للتعجب والدهشة إذا سمعنا أنّه بعد تلاشي بدن الإنسان ورجوعه إلى حالته الأولى تجتمع تلك الذرّات ثانية ، وتتواصل وتترابط ويتشكل الجسم الأوّل ، فلو كان هذا الأمر محالا فلما ذا وقع في مبدأ الخلقة.
إذا «كما بدأكم» الله «تعودون» أي يعيدكم في الآخرة ، وهذا هو الموضوع الذي تضمنته العبارة القصيرة.
في الآية اللاحقة يصف سبحانه ردود الفعل التي أظهرها الناس قبال هذه الدعوة (الدعوة إلى التوحيد والخير والمعاد) فيقول : (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) (١).
ولأجل أن لا يتصور أحد أنّ الله يهدي فريقا أو يضلّ فريقا من دون سبب ، أضاف في الجملة ما يلي : (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي إنّ الضالين هم الذين اختاروا الشياطين أولياء لهم بدل أن يدخلوا تحت ولاية الله ، فضلوا.
والعجب أنّه رغم كل ما أصابهم من ضلال وانحراف يحسبون أنّهم المهتدون الحقيقون (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ).
إنّ هذه الحالة تختص بالذين غرقوا في الطغيان والمعصية ، وكان انغماسهم في الفساد ، والضلال والانحراف ، والوثنية ، كبيرا إلى درجة أنّه انقلبت حاسة تمييزهم رأسا على عقب ، فحسبوا القبيح حسنا ، والضلالات هداية ، وفي هذه الحالة أغلقت في وجوههم كل أبواب الهداية ، وهذا هو ما أوجدوه وجلبوه لأنفسهم.
* * *
__________________
(١) جملة «فريقا هدى» من حيث الإعراب والتركيب تكون كالتالي : فريقا مفعول هدى فعل وفاعل مؤخرين ، وفريقا (الثّانية) مفعول مقدم.
وأضل فعل وفاعل مؤخران مقدران دل عليهما جملة «حق عليهم الضلالة».