مطلقة ، بل جاء ذلك في ختام الآية مشروطا بشروط ، إذ يقول : (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) وكان مستحقا.
وقد قلنا مرارا ، إنّ «المشيئة» في هذه الموارد ، بل في جميع الموارد ، ليس بمعنى الإرادة المطلقة ومن غير قيد أو شرط ، بل هي إرادة مقترنة بالحكمة والصلاحيات واللياقات ، وبهذا يتّضح الجواب على كل إشكال في هذا الصعيد.
ثمّ يضيف تعالى قائلا (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).
إنّ هذه الرحمة الواسعة يمكن أن تكون إشارة إلى النعم والمواهب الدنيوية التي تشمل الجميع ويستفيد منها الكل ، برا وفاجرا ، صالحا وطالحا.
كما يمكن أن تكون إشارة إلى أنواع الرحمة المادية والمعنوية ، لأنّ النعم المعنوية لا تختص بقوم دون قوم ، وإن كان لها شرائط تتوفر لدى الجميع.
وبعبارة أخرى : إن أبواب الرحمة الإلهية مفتوحة للجميع ، وإنّ الناس هم الذين عليهم أن يقرروا دخول هذه الأبواب فلو لم تتوفر شرائط الورود في بعض الناس فإنّ ذلك دليل على تقصيرهم هم ، لا محدودية الرحمة الإلهية (والتّفسير الثّاني أنسب مع مفهوم الآية والجملة التي ستأتي).
ولكن حتى لا يظن أحد أنّ قبول التوبة ، أو سعة الرحمة الإلهية وشموليتها ، غير مقيدة وغير مشروطة ، ومن دون حساب أو كتاب ، يضيف في ختام الآية : سرعان ما أكتب رحمتي للّذين تتوفر فيهم ثلاثة أمور : اتقوا ، وآتوا الزكاة ، وآمنوا بآياتي (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) و «التقوى» إشارة إلى اجتناب كل معصية وإثم.
و «الزكاة» مرادة هنا بمعناها الواسع ، وحسب الحديث المعروف «لكل شيء زكاة» يشمل جميع الأعمال الصالحة والطيبة.
وجملة (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) تشمل الإيمان بالمقدسات.