الثّاني : أنّ معناه : المولود في أرض مكّة ، والناهض منها.
الثّالث : أنّ معناه الذي قام من بين صفوف الجماهير.
ولكن الرأي الأشهر هو التّفسير الأوّل ، وهو أكثر انسجاما مع موارد استعمال هذه اللفظة ، ويمكن أن تكون المعاني الثلاثة مرادة برمتها أيضا ، كما قلنا.
ثمّ إنّه لا نقاش بين المؤرخين بأنّ الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يدرس ، ولم يكتب شيئا ، وقد قال القرآن الكريم ـ أيضا ـ في الآية (٤٨) من سورة العنكبوت حول وضع النّبي قبل البعثة : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ).
وأساسا كان عدد العارفين بالكتابة والقراءة في المحيط الحجازي قليلا جدّا ، حيث كان الجهل هو الحالة السائدة على الناس بحيث أن هؤلاء العارفين بالكتابة والقراءة كانوا معروفين بأعيانهم وأشخاصهم ، فقد كان عددهم في مكّة من الرجال لا يتجاوز (١٧) شخصا ، ومن النساء امرأة واحدة (١).
من المسلّم أن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لو كان قد تعلّم القراءة والكتابة ـ في مثل هذه البيئة ـ لدى أستاذ لشاع ذلك وصار أمرا معروفا للجميع ، وعلى فرض أنّنا لم نقبل بنبوته ، ولكن كيف يمكنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن ينفي ـ في كتابه ـ بصراحة هذا الموضوع؟ ألا يعترض عليه الناس ويقولون : إن دراستك وتعلّمك للقراءة والكتابة أمر مسلّم معروف لنا ، فكيف تنفي ذلك؟
إنّ هذه قرينة واضحة على أميّة النّبي.
وعلى كل حال ، فإنّ وجود هذه الصفة في النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان تأكيدا على نبوته حتى ينتفي أي احتمال في ارتباطه إلّا بالله وبعالم ما وراء الطبيعة في صعيد دعوته.
__________________
(١) فتوح البلدان ، للبلاذري ، ط مصر ، الصفحة ٤٥٩.