(وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى).
ثمّ إنّ المفسّرين أعطوا تفسيرات متنوعة لهذين الغذاءين «المنّ» و «السلوى» اللذين أنزلهما الله على بني إسرائيل في تلك الصحراء القاحلة (وقد ذكرنا هذه التفاسير عند دراسة الآية ٥٧ من سورة البقرة) وقلنا بأنّه لا يبعد أنّ «المن» كان نوعا من العسل الطبيعي الذي كان في بطون الجبال المجاورة ، أو عصارات وإفرازات نباتية كانت تظهر على أشجار كانت نابتة هنا وهناك في تلك الصحراء ، و «السلوى» نوع من الطير الحلال اللحم شبيه بالحمام.
ثمّ يقول الله تعالى : وقلنا (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ).
ولكنّهم أكلوا وكفروا النعمة ولم يشكروها وبذلك ظلموا في الحقيقة أنفسهم (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
ويجب الانتباه إلى أن مضمون هذه الآية جاء في الآيات (٥٧) و (٦٠) من سورة البقرة مع فارق بسيط ، غاية ما في الأمر أنّه عبر عن نبوع الماء من الصخر هنا بـ «انبجست» وهناك بـ «انفجرت» ، وحسب اعتقاد جماعة من المفسّرين أنّ التفاوت بين هاتين العبارتين هو أن «انفجرت» تعني «خروج الماء بدفع ، وكثرة» و «انبجست» تعني «خروج الماء بقلّة» ولعل هذا التفاوت لأجل الإشارة إلى أنّ عيون الماء المذكورة لم تنبع من الصخرة العظيمة دفعة حتى يصير ذلك سببا لاستيحاشهم وخوفهم وقلقهم ، ولا تكون لهم قدرة على تنظيم المياه المندفقة وحصرها ، بل خرجت ابتداء بهدوء وقلة ، ثمّ توسعت المجاري وكثرت المياه النابعة.
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ هاتين الكلمتين ترجعان إلى مفهوم واحد.
* * *