والسوء لا جميع الذنوب ، ولعلّ التأكيد على هذا المطلب (ما ظهر منها وما بطن) هو لأجل أنّ العرب الجاهليين كانوا لا يستقبحون عمل الزنا إذا أتي به سرّا ، ويحرّمونه إذا كان ظاهرا مكشوفا.
ثمّ إنّه عمّم الموضوع ، وأشار إلى جميع الذنوب وقال «والإثم» أي كل إثم. والإثمّ في الأصل يعني كل عمل مضرّ ، وكل ما يوجب انحطاط مقام الإنسان وتردّي منزلته ، ويمنعه ويحرمه من نيل الثواب والأجر الحسن. وعلى هذا يدخل كل نوع من أنواع الذنوب في المفهوم الواسع للإثم.
ولكن بعض المفسّرين أخذوا الإثمّ هنا فقط بمعنى «الخمر» واستدلوا لذلك بالشعر المعروف.
شربت الإثمّ حتى ضلّ عقلي |
|
كذاك الإثمّ يصنع بالعقول (١) |
ولكنّ الظاهر أنّ هذا المعنى ليس هو تمام مفهوم الكلمة ، بل أحد مصاديقه.
ومرّة أخرى يشير بصورة خاصّة إلى عدد من كبريات المعاصي والآثام ، فيقول : (وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي كل نوع من أنواع الظلم ، والتجاوز على حقوق الآخرين.
و «البغي» يعني السعي والمحاولة لتحصيل شيء ، ولكن يراد منه غالبا الجهود المبذولة لغصب حقوق الآخرين ، ولهذا يكون مفهومه ـ في الغالب ـ مساويا لمفهوم الظلم.
ومن الواضح أنّ وصف «البغي» في الآية المبحوثة بوصف «غير الحق» من قبيل التوضيح والتأكيد على معنى «البغي».
ثمّ أشار تعالى إلى مسألة الشرك وقال : (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) فهو أيضا محرّم عليكم.
__________________
(١) التبيان عند تفسير الآية المبحوثة ، وتاج العروس مادة «إثم».