والواو والتاء المزيدتان المردفتان به هما للتأكيد والمبالغة. ويطلق هذا الاستعمال على حكومة الله المطلقة التي لا حدّ لها ولا نهاية ... فالنظر إلى عالم الملكوت ونظامه الكبير الواسع المملوك لله سبحانه يقوّي الإيمان بالله والإيمان بالحق ، كما أنّه يكشف عن وجود هدف مهم في هذا العالم الكبير المنتظم أيضا. وفي الحالين يدعو الإنسان إلى البحث عن ممثل الله ورسول رحمته الذي يستطيع أن يطبق الهدف من الخلق في الأرض.
ثمّ تقول الآية معقبة ... لتنبّههم من نومة الغافلين (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ).
أي : أوّلا : ليس الأمر كما يتصورون ، فأعمارهم لا تخلد والفرص تمر مرّ السحاب ، ولا يدري أحد أهو باق إلى غد أم لا؟! فمع هذه الحال ليس من العقل التسويف وتأجيل عمل اليوم إلى غد.
ثانيا : إذ لم يكونوا ليؤمنوا بهذا القرآن العظيم الذي فيه ما فيه من الدلائل الواضحة والبراهين اللائحة الهادية إلى الإيمان بالله ، فأي كتاب ينتظرونه خير من القرآن ليؤمنوا به؟ وهل يمكن أن يؤمنوا بكلام آخر ودعوة أخرى غير هذه؟!
وكما نلاحظ فإنّ الآيات محل البحث توصد جميع سبل الفرار بوجه المشركين ، فمن ناحية تدعوهم إلى أن يتفكروا في شخصيّة النّبي وعقله وسابق أعماله فيهم لئلا يتملّصوا من دعوته باتهامهم إيّاه بالجنون.
ومن ناحية أخرى تدعوهم إلى أن ينظروا في ملكوت السماوات والأرض ، والهدف من خلقهما ، وأنّهما لم يخلقا عبثا.
ومن ناحية ثالثة تقول : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) لئلا يسوّفوا قائلين اليوم وغدا وبعد غد إلخ ... ومن ناحية رابعة تقول : إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن فإنّهم لن يؤمنوا بأي حديث آخر وأي كتاب آخر ، إذ ليس فوق القرآن كتاب أبدا ...