استغلاله والهجوم عليكم. وهكذا استفاد المسلمون من هذه النعمة العظيمة من تلك الليلة.
والرحمة الثّالثة التي وصلتكم هي : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ).
وهذا الرّجز قد يكون وساوس الشيطان ، أو رجزا بدنيا كجنابة بعضهم ، أو الأمرين معا. وعلى أية حال ، فإنّ الماء ملأ الوديان من أطراف بدر بعد أن استولى الأعداء على آبار بدر وكان المسلمون بحاجة ماسة للغسل ورفع العطش ، فإذا هذا الماء قد ذهب بكل تلك الأرجاس.
ثمّ أنّ الله تعالى أراد بذلك تقوية معنويات المسلمين وكذلك تثبيت الرمال المتحركة تحت أقدامهم بواسط المطر : (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ ...) ويمكن أن يكون المراد من تثبيت الأقدام هو رفع المعنويات وزيادة الثبات والاستقامة ببركة تلك النعمة ، أو إشارة إلى هذين الأمرين.
والنعمة الأخرى التي أنعمها الله على المجاهدين في بدر ، هي الرعب الذي أصاب به الله قلوب أعدائهم ، فزلزل معنوياتهم بشدة ، فيقول تعالى (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا).
(سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ).
وإنّه لمن العجب والغرابة أن ينهار جيش قريش القوي أمام جيش المسلمين القليل ، وأن تذهب معنوياتهم ـ كما ينقل التاريخ ـ بصورة يخاف معها الكثير منهم من منازلة المسلمين ، وحتى أنّهم كانوا يفكرون بأنّ المسلمين ليسوا أشخاصا مألوفين ، وكانوا يقولون بأنّ المسلمين قد جاؤوكم من قرب يثرب (المدينة) بهدايا يحملونها على إبلهم هي الموت.
ولا شك أنّ هذا الرعب الذي أصاب قلوب المشركين ، والذي كان من عوامل النصر ، لم يكن جزافا ، فلقد أثبت المسلمون شجاعتهم وأقاموا صلاة