إلى نفسه أحيانا ليكون نبراسا للآخرين
قوله «إنّي لم أفر من الزحف قطّ ، ولم يبارزني أحد إلّا سقيت الأرض من دمه» (١)
والعجيب أنّ بعض المفسّرين من أهل السنة يصرّ على أنّ حكم الآية السابقة يختص بمعركة بدر ، وأنّ التهديد والوعيد من الفرار من الجهاد يتعلق بالمقاتلين في بدر فحسب ، مع أنّه لا يوجد دليل في الآية على هذا التخصيص ، بل لها مفهوم عام يشمل كل المقاتلين والمجاهدين.
وفي الرّوايات والآيات كثير من القرائن الذي يؤيد هذا المعنى «ولهذا الحكم شروط طبعا سنتناولها نعالجها في الآيات المقبلة من هذه السورة إن شاء الله».
ولئلا يصاب المسلمون بالغرور في انتصارهم ، ولئلا يعتمدوا على قواهم الجسمية فحسب ، وليذكروا الله في قلوبهم دائما ، وليتعلقوا به طلبا لألطافه ، فإنّ الآية التّالية تقول : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).
لقد ورد في الرّوايات والتفاسير أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لعلي يوم بدر : أعطني حفنة من تراب الأرض وحصاها ، فناوله على ذلك ، فرمى النّبي جهة المشركين بذلك التراب وقال : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٢)
قالوا : كان لهذا الفعل أثر معجز إذ وقع ذلك التراب على وجوه المشركين وعيونهم فملأهم رعبا.
لا شك أنّ الظاهر يشير إلى أنّ النّبي وأصحابه هم الذين أدّوا هذا الدور في معركة بدر ، لكن القرآن يقول : إنكم لم تفعلوا ذلك أوّلا ، لأنّ القدرات الروحية والجسمية والإيمانية التي هي أصل تلك النتائج كلها من عطاء الله وقد تحركتم
__________________
(١) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ١٣٩.
(٢) راجع نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ١٤٠.