ويلاحظ في هذه الآية أربعة أوامر صارمة صادرة في شأن المشركين «إيصاد الطرق بوجههم ، محاصرتهم ، أسرهم ، ثمّ قتلهم». وظاهر النص أنّ الأمور الأربعة ليست على نحو التخيير ، بل ينبغي ملاحظة الظروف والمحيط والزمان والمكان والأشخاص ، والعمل بما يناسب هذه الأمور ، فلو كان في الأسر والمحاصرة وإيصاد السبيل بوجه المشركين الكفاية فيها ، وإلّا فلا محيص عن قتالهم.
وهذه الشدّة متناغمة ومتوائمة مع منهج الإسلام وخطته في إزالة الوثنية وقلعها من جذورها ، وكما أشرنا إلى ذلك سلفا ، فإنّ حرية الإعتقاد «أي عدم إكراه أهل الأديان الأخرى على قبول الإسلام» تنحصر في أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ولا تشمل عبدة الأوثان ، لأنّ الوثنية ليست عقيدة صحيحة ، ولا دينا كي تلحظ بعين الاحترام ، بل هي تخلّف وخرافة وانحراف وجهل ، ولا بدّ من استئصال جذورها بأي ثمن كان وكيف ما كان.
وهذه الشدّة والقوّة والصرامة لا تعني سدّ الطريق ، ـ طريق الرجوع نحو التوبة ـ بوجههم ، بل لهم أن يثوبوا إلى رشدهم ويعودوا إلى سبيل الحق ، ولذلك فإنّ الآية عقبت بالقول : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ).
وفي هذه الحال ، أي عند رجوعهم نحو الإسلام ، لن يكون هناك فرق بينهم وبين سائر المسلمين ، وسيكونون سواء وإياهم في الحقوق والأحكام.
(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). يتوب على عباده المنيبين إليه.
وتستكمل الآية التالية هذا الموضوع بأمر آخر ، كما يتّضح بجلاء أن هدف الإسلام من هذا الأمر إنّما هو نشر التوحيد والحق والعدالة ، وليس هو الاستثمار أو الاستعمار وامتصاص المال ، أو الاستيلاء على أراضي الآخرين ، إذ تقول الآية : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ).
أي عليك أن تعامل من يلجأ إليك من المشركين برفق ولطف ، وامنحه