وتذكر الآية الصفة الثّالثة التي كانوا يتصفون بها فتقول : (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ).
ويوجد احتمالان في هذه الجملة أيضا ، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد من دين الحق هو دين الإسلام المشار إليه بعد بضع آيات.
وذكر هذه الجملة بعد عدم اعتقادهم بالمحرمات الإسلامية ، هو من قبيل ذكر العام بعد الخاص ، أي أن الآية أشارت أوّلا إلى ارتكابهم لمحرمات كثيرة ، وهي محرّمات تلفت النظر كشرب الخمر والربا وأكل لحم الخنزير ، وارتكاب كثير من الكبائر التي كانت تتسع يوما بعد يوم.
ثمّ تقول الآية : إن هؤلاء لا يدينون بدين الحق أساسا ، أي أن أديانهم منحرفة عن مسيرها الأصيل ، فنسوا كثيرا من الحقائق والتزموا بكثير من الخرافات مكانها ، فعليهم أن يتقبلوا الإسلام ، وأن يعيدوا بناء أفكارهم من جديد على ضوء الإسلام وهداه ، أو يكونوا مسالمين ـ على الأقل ـ فيعيشوا مع المسلمين ، وأن يقبلوا شروط الحياة السلمية مع المسلمين.
وبعد ذكر هذه الأوصاف الثلاثة ، التي هي في الحقيقة المسوغ لجهاد المسلمين لأهل الكتاب ، تقول الآية (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ).
وكلمة «من» في الآية بيانية لا تبعيضية ، وبتعبير آخر : إنّ القرآن يريد أن يقول : إن أهل الكتاب السابقين ـ وللأسف ـ لا يدينون بدين الحق وانحرفوا عن المعتقدات الصحيحة ، وهذا الحكم يشملهم جميعا.
ثمّ تبيّن الآية الفرق بين أهل الكتاب والمشركين في مقاتلتهم ، بالجملة التالية (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ).
«والجزية» مأخوذة من مادة الجزاء ، ومعناها المال المأخوذة من غير المسلمين الذين يعيشون في ظلّ الحكومة الإسلامية ، وهذه التسمية لأنّها جزاء حفظ أموالهم وأرواحهم (هذا ما يستفاد من كلام الراغب في مفرداته فلا بأس